top of page

مهرجاناتنا الصيفية والسؤال القديم

أهدتني بعض الأعمال المهرجانية الصيفية غنى بصرياً وسمعياً ومعرفياً، ومنها تمكنت الى بناء بعض قصائدي من أصوات، ومشاهد، ومن مزيج فنّي ونسائم باردة في أخريات الليل الصيفي الحّار

المصدر: الميادين نت

أكتشف أن العودة ثانية الى الكتابة عن مهرجاناتنا الفنية الصيفية، لاتجعلني أكثر ودّاً لها وفهماً، في ظلّ أمورنا المتردية سياسياً وإقتصادياً وأمنياً وتوشك أن تكون بالغة التعقيد، ماضياً وحاضراً. أثناء إشتغالي الإعلامي الباكر، كنت مُلزمة على متابعة كافة المهرجانات المُدرجة على جدول صيفنا وفي كل المناطق اللبنانية... بعلبك وبيت الدين وصور ودير القمر وجبيل والذوق ووسط البلد وحتى في الكنانس وفي المدرجات الرومانية وكل الأماكن السياحية. كنت أذهب وأتابع وأكتب من دون كثير متعة، لأن الذهاب في غاية العمل والكتابة من دون سند أمني مُريح، يُفقد الروح ألفتها مع المكان، فلا تعود الكتابة كتابة بل واجباً .بإختصار كنت أكتب في مثلث محصور بالواجب والتعب وسهر الليل المُضني الذي ليس من طبعي. أكتب عن المادة الفنية التي أتابعها بمزاج مُنهك ولكن من دون غش، فأنا احترم جُهد الآخر وعمله كيفما أتى ، وأفيه حقه بمعزل عن حالي ومزاجي. أهدتني بعض الأعمال المهرجانية الصيفية غنى بصرياً وسمعياً ومعرفياً، ومنها تمكنت الى بناء بعض قصائدي من أصوات، ومشاهد، ومن مزيج فنّي ونسائم باردة في أخريات الليل الصيفي الحّار. أفهم الحيرة التي تقع فيها لجان المهرجانات الدولية الصيفية عندنا. أفهم ترددها وحيرتها في الإعلان عن برامجها المهرجانية أوالترّيث في الإعلان عنها لما بعد الإستحقاق الرئاسي أو ذاك، أو النيابي أو ذاك ، أو الأمني أو ذاك، بينما المهرجان الفعلي الجار وبنجاح منقطع النظير، هو مهرجان القلق المضني عند اللبنانيين، العنيف والمُنذر والقاسي الذي يستبطنه الشعب اللبناني بأسره، لكنهُ يُداريه ويُرقع حياته بهذه الحفلة أو تلك حفاظاً وتناغماً مع ما يُقال عنه بأنه شعب يُحّب الحياة. في الحقيقة، المفارقة ليست في هذا التقديم، المفارقة في السؤال الخاص الذي لايزال يلّح عليّ في ماضي وحاضر المهرجانات عندنا: لماذا لانعقد مهرجاننا الخاص ، مهرجان من نوع آخر، يُعقد بالتتابع في كل المناطق اللبنانية ، ويلحظ الحكي والحوار بين المتناكفين اللبنانيين، بعدها يأتي الغناء والرقص، على إيقاع هذه التفاهمات.. إن قُيّض لنا يوماً التفاهم. عودة لا بدّ منها الى تصنيف عادل أو إشارة إيجابية لماهية مثل هذه المهرجانات ، كما لايُخفى على المتابعين والمدمنين على مثل هذه الحفلات من كونها تُشيع رغم كل شيء، جواً بهيجاً في صيفنا وليالينا، كما أن تفرّعها في القرى حديثاً ، ولا مركزيتها ، جعلت منها عيداً موسيقياً يطال أغلب المناطق اللبنانية ، ويُضيء على بعض الريف المنسي يُنعشه اقتصادياً ومعنوياً، ويجعلهُ مشاركاً فعلياً في بهجة من مباهج الحياة ، عنيت الموسيقى والغناء وسائر الفنون . كما أن عودة عادلة أيضاً، في الكلام على ماضي هذه المهرجانات، نجد أن بداياتها وماضيها شهدا – بشكل عام – مستوى فنياً عالياً يصّب في مصلحة عروض الماضي الذي يتفوّق بكثير على مستوى ما تشهدهُ إستضافاتنا الحالية لبعض الفنون الغربية وحتى العربية منها ، العنائية والموسيقية والإستعراضية . والأمر عائد – إن أخذنا الأمر على نيته الحسنة – الى الكلفة المادية التي تستلزمها الفرق المعروفة، والتي تُرخي بثقلها على مسؤولي مثل هذه المهرجانات في ظل تدني الأوضاع المادية على أغلب اللبنانيين ، معطوفة على التدّني الثقافي والفكري الآخذ بنا وبأمورنا كافة. كما لا بدّ من إشارة عابرة وسريعة وتحمل كامل الإيجابية ، الى اللجنة اليقظة لمقاطعة إسرائيل التي فعلت فعلها في تنقية مثل هذه الفرق المدعوّة ، والى تنظيف سير المغنيين والمغنيات ، المنفردين والمنفردات عبر الملاحظة والتدقيق ، من أية شبهة تعامل فنيّ مع إسرائيل أو أية نية مستقبلية لإحياء حفلات فيها، أو مجرد إعلان مطلق ولاء لها . وعودة أيضاً الى سؤالي المتبدي ساذجاً بإعلان كرنفالنا اللبناني الخاص الذي لا يحتاج الى استقدام فرق من الخارج ، كرنفال حكي وحوارات لا تنقطع ، وهي في حدوثها في الحدّ الأدنى، تُفضي الى الرقص والغناء ، وإلى إعادة مسرحة البلد على الشكل المرتجى والذي يجب عليه أن يكون. مهرجان لبناني صرف تسوده المصارحة والنوايا الطيبة ، يغدو الرقص والغناء بعدهُ... تحصيلاً حاصلاً . إنعاش الإصطياف عندنا، وعندها ذلك الإحساس الفطري الجيّد بالترويج للسياحة ، كما أن المشرفين عليها بكل بساطة، أكثر موهبة وقدرة منيّ على معرفة ماذا يحتاجه البلد في حاله هذه حيث اختلطت الساحة السياسية بالسياحة الثقافية وما الى ذلك. ولكن من نافل القول، أن الزاوية الكرنفالية التي تحشر الهرجانات البلد فيها، ضيّقة ومصطنعة، وتشترط على الصيف المنذر وناسه بأكثر مما يستطيعون. إن مهرجانات الرقص والغناء وسواها يسعها لمرّة واحدة ، لصيف واحد أن تحتجب وتكبت نفسها، وأن تكّف عن التفنن والشكلانية، وأن تتنحى وتعتقد في مهرجان واحد في حاله الخّام والمُعبّر، وهو مهرجان الحوار بين اللبنانيين ، فمن شأن هذا وحدهُ لو حصل، الدفاع عن باقي أشكال المهرجانات، بدل شقع العروض والفرق واستقدام المشاهير وغير المشاهير، في الظنّ بأنهم الفعل المنّشط لبلد يكافح كل يوم ، نزوعه الذرامي الى الموت، بالقدر نفسه الذي يكافح فيه ، نزوعاً تقديسياً وتزيينياً . في الحقيقة، بيروت الجميلة أصبحت تُشعرنا رغم مهرجاناتها وكل الأشكال البرّانية الآتية من خارجها، أننا في جحر، أو في كهف ما يلبث يتعفّن ويمتلىء بالروائح النتنة ويضيق، يوماً إثر يوم، ونحن ننحدر الى أسفل فنشعر بالدوار فلا نعرف بعد في أية علّة وقعنا ، ومن أيّ فساد يتسرّب إلينا هذا الإحساس بالخواء التّام . إحساس المُعلّق في وكر، أو المطمور في جحر، وليس في كلا الإحساسين من خاتمة، أو ما يشي الى التغيير والحركة والسعة والإنتماء لا بالرقص ولا بسواه. هذا على الأقل ما نشعرهُ الآن، وما من كرنفال يبدو قريباً يُعيدنا مواطنين أصحاء .

Recent Posts
bottom of page