top of page

خيال هذا العالم الوحشي وطرائقه الهستيرية

قبل هذه " الوفرة العاطفية " التي غمرت العالم اليوم بفضل تكنولوجيا المعلومات والسوشال ميديا وتحديث العصر، الى خبايا لست أدري كنهها، وفي إبّان ما دُرج عليه يومها ب " الطرود المفخخة "، كنتُ وعدتُ صديقتي في مغتربها الأميركي برفدها – بحسب طلبها- بجديد السيدة فيروز وزياد الرحباني :" أيه في أمل " كما ببعض التسجيلات من مثل :" بين شطين وميّة " للمطرب محمد قنديل، و" مشغول عليك مشغول " و " أمانة عليك يا ليل طوّل " للمطرب كارم محمود، التي – بحسب صديقتي ومناشدتها – تُعينها على غربتها.

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/873620/خيال-هذا-العالم-الوحشي-وطرائقه-الهستيرية/

منذ زمن ليس بالبعيد، وعلى التحديد منذ سنوات قليلة لاتتعدى أصابع اليدين، كنّا نتكفّل بأحبائنا المغتربين، عبر إمدادهم ببعض الهدايا التي تُغذّي أرواحهم، وكانت في الغالب على شكل مجموعة أشرطة غنائية، تُعيد ربط أواصرهم بما تشكلّت منه طفولاتهم وبعض صباهم، الأمر الذي أوشكوا على نسيانه بفعل الوقت . هدايا تُعيد النبض الى شرايينهم وتُعزز إنتماءاتهم الى بلدانهم وأوطانهم . الآن، ومع توّفر هذه المواد على وسائل التواصل بكل مستوياتها، لم تعد هباتنا ذات شأن، وينسحب هذا على إرسال الكتب أيضاً، او أيّ شيء خارج المُتاح، وخارج سلطان ال " غوغل" وسواه. حتى أن كفايتهم من " المونة" اللبنانية: الزعتر والبرغل الى ما هنالك من دلع لبناني ، غمر اسواقهم الأجنبية، وبجودة أحسن من التي عندنا حتى . قبل هذه " الوفرة العاطفية " التي غمرت العالم اليوم بفضل تكنولوجيا المعلومات والسوشال ميديا وتحديث العصر، الى خبايا لست أدري كنهها، وفي إبّان ما دُرج عليه يومها ب " الطرود المفخخة "، كنتُ وعدتُ صديقتي في مغتربها الأميركي برفدها – بحسب طلبها- بجديد السيدة فيروز وزياد الرحباني :" أيه في أمل " كما ببعض التسجيلات من مثل :" بين شطين وميّة " للمطرب محمد قنديل، و" مشغول عليك مشغول " و " أمانة عليك يا ليل طوّل " للمطرب كارم محمود، التي – بحسب صديقتي ومناشدتها – تُعينها على غربتها. آن سمعت ب " نغمة " الطرود الملغومة حينها، تخليّتُ تماماً عن الفكرة برمّتها، تخليت عن كرمي " الحاتمي" ، إذ لعل موضة الطرود الملغومة حقيقة فعلية تنعكس سلباً عليّ وعلى طرودي وهداياي، بغض النظر عن كونها لم تكن في الواقع، سوى من دسائس الحروب النفسية، الكيدية، ومن خيال هذا العالم الوحشي الذي إختلطت فيه الأمور بطريقة هستيرية. ركنتُ طردي الذي وضبتُهُ لصديقتي في خزانتي، ورحتُ أتابع قصة كل طرد مُفخخ مُرسل الى أحد ما، مكان ما، أتصوّر سيناريو طردي اللطيف الذي قد يتحوّل بقدرة قادر الى طرد مُميت ، مع أن رغبتي ، ورغبة صديقتي، تقزّمت الى إرسال مجرد شرائط غناء تُفخخ الوحدة والصقيع الأميركي، وتصّاعد بالذاكرة الى شيء جميل مضى وانقضى. شرائط غناء لا طابعات ولا متفجرات ولا سواها، لكن الحرص واجب، فهو أسلمُ لي ولصديقتي وللبنان بأسره، فلا حاجة بعد لزيادة زعل ولؤم أميركا علينا من أجل " بين شطين وميّة عشقتكم عينيي" يترّنم بها محمد قنديل الذي مات و" شبع موت" مُفلتاً من عقاب المخابرات الأميركية، هو المُترّنم الغافل عن خطورة صوته ومضامين أغنيته ويقول في أحد مقاطعها : رحنالكم وجينا/ وزرنا المدينة/ وطه نبينا ...الخ . كتبتُ لها حينها بأنني لن أرسل الطرد، كما ما من طرود الى أميركا بعد اليوم لكي لا أتسبّب شخصياً بإذكاء زعل أميركا علينا، الزعل الغليظ المبحوح، ويهّز الهواء في الأمم المتحدة وفي الكونغرس وفي لاهاي، ويُلخص بجمود ونفور ولامبالاة خشنة ( هذا قبل ترامب) كره أميركا لنا لأننا لسنا " أوادم" ولا نسمع الكلمة وغير مهتمين بحقوق الإنسان ولا بالديمقراطية ولا بالعدالة ، فقط نهتم ب " الفالنتين" شاطرين فيه، وفوق الدّكة نازلين تفخيخ بالناس وكمان منكره إسرائيل" . كتبت لها بلا طرد بلا زفت، وياعيب الشوم علينا ، فنحن لا نستحق تبادل الهدايا من أيّ نوع كانت، لأننا بحسب أميركا عالم " صفر" ولا نستحق الحياة ويجدر بنا عدم " قبّ " رؤوسنا فوق الأرض ما دمنا نتسبب بتعكير مزاج إسرائيل وحرق دمها، وتهديد مصالحها تارة بالنووي وتارة بالطرود المفخخة وغالباً بالحكي اللي بلا طعمة . كتبت لصديقتي وقلت أنني أوقفت هذه الصفقة العاطفية، وأخبرتها أنني أمسكتُ عن إرسال أيّ شيء بعد اليوم ، وهي بدورها لم تُصّر، بل أنني أحسست في صوتها نبرة إرتياح متواطئة وع إحجامي ونكوصي عن هداياي العاطفية والماديّة على السواء. قلت لها : بإستطاعتك العيش من دون صوت محمد قنديل أو صوت محمد عبد المطلب ، كما يمكنك تدّبر غربتك بلا كارم محمود أو أم كلثوم أو فيروز وغيرهم - قلت لها – ولم تلبث المسكينة أن همهمت بكلمات غير مفهومة ، لكنها موافقة على أقّل تقدير، ثم أقفلت الخط على أمل فرصة أخرى أقّل إشتباكاً في السماء . لم يخطر لي أنها مكالمة أخيرة. لو علمتُ ذلك لأتبعتها بمكالمة أكثر رفقاً بها ولما صرفتُ فكرة معاودة الإتصال بها كل يوم الى آخر ولقلت بأنني سأرسل ما تطلبين ولتذهب الإحترازات الأمنية الى الجحيم. أجلّتُ الإتصال بها حتى نفذ الوقت، وغابت صديقتي كما غابت أخبارها كمن إبتلعتها لُجّة ظالمة. أخمّن الآن، بعد أن إختفت منذ سنوات عشر واختفت أخبارها، أن صديقتي في تلك الأيام كانت تعيش في عزلة تامّة ، وربما كانت أكثر من مستوحشة في وحدتها تلك ، أكثر بكثير ممّا ظننت، وأن رفضي – في اللحظة الأخيرة – إرسال ما سألتني إرساله هو بمثابة صدّ لنداء وإستغاثة ، ما أرخى لديها نوعاً أقسى من الإكتئاب أجبرها على الإرفضاض عنّي وتالياً عن كل الناس على ما تناهى إليّ في ما بعد . لم تهتّم صديقتي بأشرطتي وهداياي سوى لأنها كانت تجعلها وسط حقيقة ما، حقيقة أنها عاشت يوماً وسط ناسها وأهلها وفي بلدها ، وسمعت صوتاً تنتمي له ويعنيها، وأرادت من كل قلبها " هديتي" التي تجنبّها الخيال الذي إحتل كل أيامها . لم تقبل صديقتي في قرارتها فكرة الطرود المُفخخة ، وجُبني الذي داهمني في اللحظة الأخيرة . كانت تُريد فيروز وتريد الغناء لأنها أرادت أن تُشّجع الحياة التي تعيشها بعيدة عن الوطن . كانت تريد الوطن .

Recent Posts
bottom of page