top of page

مُلصقات سخيّة بألوانها وجدران مُطيعة

إن الانتخابات بالنسبة للشعوب كافّة، العربية منها على وجه الخصوص ولبنان منها، رياضة تقوم على إظهار التفوّق، بيد أن الاهتمام يوّجه الى مُحصّلة هذه الانتخابات، الى النتيجة النهائية، ويُمكن للمعاناة المرئية أن تُقرأ فقط بوصفها علامة لهزيمة بيّنة، أما الانتخابات الحقّة فهي دراما يتعيّن على كل اللبنانيين خوضها، كما يتعيّن على كل لحظة تسبق وقوعها، أن تُعقل دائماً بوصفها ترتيباً أخلاقياً قبل ان يكون مبدئياً أو وطنياً أو سيادياً وسوى ذلك.

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/875557/ملصقات-سخية-بألوانها-وجدران-مطيعة/

لم يكن الحال اللبناني أكثر تواصلاً مع سابقه كما يحدث الآن. فإذا كانت الانتخابات اللبنانية المزمعة قريباً، علامات أولى تبشيرية داخلية في حياة هذا البلد، وذات وعود نهضوية ما لهذا الفريق، فإن علامات تبشيرية داخلية مماثلة للفريق الآخر مرفوعة وبشكل مواز ومتداخل الى حدّ لا نعرف معه ، أيها المُخلّصة فعلاً، وأين هي البداية. إن الانتخابات بالنسبة للشعوب كافّة، العربية منها على وجه الخصوص ولبنان منها، رياضة تقوم على إظهار التفوّق، بيد أن الاهتمام يوّجه الى مُحصّلة هذه الانتخابات، الى النتيجة النهائية، ويُمكن للمعاناة المرئية أن تُقرأ فقط بوصفها علامة لهزيمة بيّنة، أما الانتخابات الحقّة فهي دراما يتعيّن على كل اللبنانيين خوضها، كما يتعيّن على كل لحظة تسبق وقوعها، أن تُعقل دائماً بوصفها ترتيباً أخلاقياً قبل ان يكون مبدئياً أو وطنياً أو سيادياً وسوى ذلك. لم يعد المدى الكوسموبوليتي لهذا البلد كافياً. ثمة مدى آخر بل أمداء ، منها ما يلحظ إختلاطها وخصوصية وخطورة وغنى هذا الإختلاط، ومنها ما يجعلها قلقاً فعلياً خالصاً، وإن كانت شعاراته المرفوعة على شكل شعارات الفريق الآخر من حيث الشكل. معارك بيروت الانتخابية كثيرة ومتعاقبة وإن تحدث في أوان متفرّقة بحسب أوجاع البلد . الأهمّ أننا الآن في موسم التحضيرات لإنتخابات يرفعونها " مصيرية " ويبدون بكامل تحفزّهم للمعركة المقبلة. إنها المدينة، بيروت نحديداً، تُسامح وتهرع مُديرة ظهرها لكل المُنغصات والطعنات التي أخذت بمفهومها للمواطنة، في سعيها المدينّي اليومي بحركته وسرعته ، الى الإستعداد المفرط لأمّ الجولات الانتخابية. نحن الذين نعتقد أن الاصرة التاريخية بين كافة الطوائف، مُعرّضة للضياع أكثر من ما شهده ماضي البلد وحاضره، وبدلاً من إستذكار التاريخ وقراءته وأخذ العبر، يبدو الإنشغال بكل ما هو مُبهرج شعاراتي، بكل ما هو آني وموضعي، أي موبقة الفساد في إدارات الدولة، وما استتبع هذا الفساد من حالة مزرية مُعيبة بالفعل على كل مرافق البلد. الإنشغال الآن ينحصر بكل ما هو خدماتي – وهذا مُحق نظراً لما يلاقيه المواطن من ويلات في هذا الشأن - لكن من دون الإلتفات الى استراتيجيات وتحالفات وطنية بعيدة الأجل . الإنشغال آني وموضعي : السيرة الشخصية للمرشح، اليوميات، العائلة، الحياة المباشرة،الوعود... وهذه الأمر شاغلاً لا يُشبع ، إذ تغدو الإختيارات أشبه بتوثيق هوسي لحياة هذا المُرّشح أو ذاك يتعذّر إحصاؤها . هكذا تفعل الإستعدادات للإنتخابات وليس المرامي الكبيرة والبعيدة منها، بل ما يكتنزه هذا المرشّح من بذل وثروة ، تكفل تظهيرها الإطلالات الإعلامية وجيش الميديا الذي يقف وراءه، الى إحتمال الرشاوى التي تُطلق في السّر والعلن. أمّا الوطن، أمّا فكرة الوطن، فغائبة وما على المواطن " الملدوغ" سوى الخروج والتواري من اللعبة الشاملة التي هي فلسفة العصر ولغته، أن يخرج من التشخيص البطولي الى المجانية المفرطة واللعب الكلامي . نحن العابرين النهاريين في شوارعها من بيوتنا الى أعمالنا، مع سوانا من العابرين عبورهم النهاري ولآخر الليلي بغية السهر والترفيه والتسلية وهي سمة لبنانية بإمتياز ، نرى الى بروجكتورات ظلال السرعة التي تأخذ بالمدينة ، كأنما المعركة هذه، أولى معاركهم الانتخابية، إذ تنهض الجدران بصور المرشحين والمرشحات، مع شعارات عنترية مكتوبة ضخمة وظاهرة. يحاول بعضنا أن يبقى على عادته ، مُتفرجّاً فحسب، ولا يخشى على نفسه من أن يؤخذ في اللعبة اللبنانية الممجوجة والأبدية . البعض الآخر ليس مُتفرّجاً على ما يبدو ، وهو حرّ و " منخرطاً " أيضاً بكافة التفاصيل. كلمة الإنخراط هنا ليست مجّانية ولا عرضية، بل في صلب إهتياج شريحة واسعة من اللبنانيين بحسب إنضوائها في كنف هذا الفريق أو ذاك حيال معركتهم هذه تحديداً . معركة الانتخابات المقبلة حثيثاً إن لم يعقها حدث ما عربي أو دولي أمني بالضرورة، هي أطياف معارك سابقة ، ومعركة إنزياح واضح بالضرورة عن المعنى الذي يُراهن عليه هؤلاء وأولئك. ليس إنزياحاً فحسب لكنه التجريم أيضاً ، فكل من لا ينضوي الى أحد من أهله وعشيرته يلعبُ وحيداً في فضاء خال وموحش. الإنضواء هنا، حاجة تعبيرية ، ونخشى أنها مرضية وشبه هذيانية. فالإنضواء هنا حاجة تعبيرية على الأقل، لناس المدينة التي شهدت أهوالاً منذ سنوات طويلة. لنقل أنها حاجة تعبيرية ولا نريد أن نقول أي تعبير آخر، وهذه الحاجة عند هذا الفريق وذاك أو لهذا الفريق وذاك، لا يُسلس أحوال بيروت بل يزيدها عصابية وفرقة. يريدنا هذا الفريق أن نرى الى إنجازاته على الرغم من عيشنا الواحد البائس في كنفه، ويريدنا الفريق الآخر أن نرى الى جهوزيته الفلكية لكيان لبناني حرّ ومستقل، إنجازات مازالت على ما نعرف قيد التناحر والتشاوف، ووليدة مخيلات لا تملك سوى مفردات بائسة تنسج عليها لبنانها الأفضل. حرب انتخابات حامية مقبلة لا تُرى مع ذلك مستقلّة أو ناجية من موروثات أوصلت البلد الى ما هو عليه. إن الأطراف كافة داخل فكيّ كماشة في استشرافهم الهمايولي لبلد سعيد. حرب انتخابات تحت وطأة نزاعات أقليمية ودولية ، فيما الرؤيا غائبة عن بلد لمّا يمتلك أغلب سياسييه قرارهم بعد، رغم الصور المنثورة على الحيطان، لنخبة الأطراف المتنازعة، ذلك أن بيروت لا تملك أن توجد بعد، كصاحبة قرار، بل يتوارى ساستها خلف الشعارات الفارغة، بل يُحسنون التواري في هذه الشعارات تحديداً . صور تتكرر لشخصيات نعرفها وأخرى لا نعرفها. أشكال تُذكرّك بالحرب الأهلية وما تبعها من حروب، ومفردات في تراكيب شعارات بائدة كأنما تضع الحدّ الضروري لقيامة البلد، كأنما تواصل ربط أجزائه أو تنسج عليها وهي في الحقيقة لا تفعل.

Recent Posts
bottom of page