top of page

المونديال بعيون امرأة تعشق الجمال

ثمة من يقول بزمن المواهب الكروية الذي لا بّد ولىّ وإنتابهُ الهمود . تحوّل من إعصار فنيّ إلى نبض إستهلاك وحشي ومضطرب ومراوغ . قلّ عدد اللاعبين العظام، ولم تعد الإنتصارات منوطة بهم بإستثناء البعض بالطبع .

حين وقعت الحرب بين إنكلترا والأرجنتين في نزاعهما على جزر المالاوين في القرن الماضي، خاض كلا الفريقين مباراتهما في الملعب كما لو في ساحة وغى. ردّ الفريق الأرجنتيني على هزيمة بلاده في الجزر. جاء هدف يد الله من مارادونا ساحر الأرجنتين في قلب المرمى الأنكليزي مؤكداً في صحة العبارة وفي المعتقد الديني كأحد أوجه هذه اللعبة . في الماضي، كان الفريق الخصم للفريق البرازيلي يصطف خلف حارس مرماه، لكي يرى ويُعاين المهارة العجائبية، التي يُسدد بها بيليه الكرة، على طريقة ال " دوبل كيك " مُطيحاً بكل السدود الدفاعية .( الجوهرة السوداء مُقعد الآن وهمّ اللعب نفسه إختلف ) . اليوم، التماس الخفيف للأجساد الفتية مع الأرض. ثمة ما استجّد. وثمة لعبة غزل فاتنة بين الأقدام والكرة،عيون مُحدّقة، جامدة على الكرة لملايين المغرومين، ويُلقون بمرسى احتياجهم في الفضاء الوحيد للشهوة. مهووسون وقتلة وأقدار وآلهة، يجوبون الهواء في تفحّص حركة الكرة، دورانها، علوّها، وإنخفاضها في روح المغامرة الأقصى. الكرة، وتستطيع اليوم أن تتحدّث الى كلّ منّا بلغته الخاصّة. بكلمة أخرى ما نُشكلّهُ جميعاً كأفراد متفرقين ، مجتمعين في آن على لعبة كرة القدم، وهو أمر مثير للدهشة فعلاً، ففي مثل هذه الأيام المونديالية، الموت نفسه لايجروء على الإقتراب من العالم من دون فلسفة طارئة جداً . ثمة من يقول بزمن المواهب الكروية الذي لا بّد ولىّ وإنتابهُ الهمود . تحوّل من إعصار فنيّ إلى نبض إستهلاك وحشي ومضطرب ومراوغ . قلّ عدد اللاعبين العظام، ولم تعد الإنتصارات منوطة بهم بإستثناء البعض بالطبع . كان زيدان وكان إيتو ورونالدينو ولارسن وسواهم ، سوى أن مبالغات شركات الإعلانات والترويج أضحت تُرّجح صورة اللاعب على لعبه . صورة اللاعب في الإعلان الإن، غدت بلا مُعادل فنّي لحركة جذعه ورجليه ورأسه، وبلا إستغراقات وجدانية في نشوء فكرة كرة القدم نفسها والغاية منها . لاعب كرة القدم الآن، صورة ضرورية للترويج لكافة المنتجات،، الكوكاكولا والبيبسي غولد وال ك. أف.سي، ومساحيق التجميل والتنظيف والعطور والأحذية والملابس الداخلية. الفيفا أو الأمم المتحدة للرياضة ترغب الى اللاعب الآن كقوة موّلدة للمال والذهب . سوى أننا مازلنا نجد المتعة والسلوان أمام ما يجري على شاشاتنا . الآن الحياة الطيبة حيال الشاشة المراوغة. لاتملك كمواطن عاطفي سوى الفرجة على حظّك الطيّب أو سوئه. النبرة المتعالية الآن ، الحميمة في خلفيتها في الشوارع البيروتية، ومن على السطوح والشرفات. الصدود والتحدّي. الصراع الليلي الأنيس ك – أنتر آكت – بين حزن وحزن، ويخوضه البيروتيون أمام شاشاتهم في أخريات الليل وأوله بحسب مواقيت المباريات والإستراحات القليلة، معقودة للتهليل أو للسباب والمخاتلة والمحاسبة والمحازبة .. حروب صيفية دبقة لكن لطيفة من أجل قضية لاتعني حياتهم اللبنانية في شيء، غير أنها تحتمل تبديداً حماسياً لخسائرهم المتكدسة ... وإن الى حين. في الليل أصغي لتنفّس الصدور اللاهثة، وللحركةالحرّة لهياج الأجساد الفاتنة المنفلتة من عقالها، في الليل أصفّق وأشجّع، ما يجعلني أعتقد أنه لا يمكن للشّر والخبث والجريمة من إستبطان مثل هذه الأجساد. في الليل الكروي لامجال لمنادمات فردية، لابوح ولا لواعج ولا تخاصر أو إهتداء الى خلوة غرام . إنه الغرام الجماعي في الليالي الكروية، غرام لمعبودة مبرومة متشاغلة كل الوقت بمعابثة الهواء والتربيت خفيفاً على الرسغ، والكاحل وبواطن الأقدام الثمينة. لتكن لعبة كرة القدم، الدين الجديد للبشرية على ما يقولون، وليكن المونديال قداساً إحتفالياً مهيباً، ولتكن أياماً متوهجة حتى الغليان، بسبب من الطابع الإيهامي لإنتصارات كروية، نفتقد مثيلات لها سياسية في حياتنا العربية عدا بعض منافذ تطّل مازالت على الأمل. ليكن المونديال تلك الحروب التي من دون خسائر بشرية، من دون قتلى، دم وأشلاء وأطفال جياع . لتكن هذه الحروب الراقصة التي تعرّفناها في العصر الحديث مع ياشين وبيليه وتوستا وكاكا وبوبورسكي وكانتونا وألطوبيللي وبرغوم وديدييه ولوران وإيمانويل وزيدان، وصاحب الثلاثية الخرافية جف هرست. الكرة الفاتنة أخيراً للحالمين، ومساءات مثل هذه ، لاهبة،تشبه ورقة مقطوعة من أوراق همومنا، تُقحمنا بكل الحياة والرغد، وزاخرة بطغيان كل ما يُهيّج الدم،، كما لو أيامنا بصقت فجأة حبة منّوم ن كادت أن تسحبها الى قعر النوم وتُطيح بإشتعالها. من جهتي من ربح هو الطفل الفلسطيني أمام النار، من ربح هو صاحب الطائرات الورقية، من ربح هو المقاتل الفلسطيني المقطوع الرجلين وبقلاعه يقاتل لا برجليه، ومن ربحت هي عهد التميمي ورزان وسائر من قال كلمته بوجه المحتل أو بذل حياته. لقد ربحوا ومضوا من دون مخاتلة أمام الكاميرات، لايريدون جوائز ولا كرات تتدحرج أمامهم فلقد لعبوا بقلوبهم العامرة بالحب . يبقى أنه المونديال ، ولابأس من ترويض عيوننا على نوع الصراعات الجميلة وإن زائفة، ومعاودة إيقاظ حسنّا بالحياة في جمالها الرخيص المبذول أمامنا ، مع ذلك مائة قصة جهاد وصبر وتدريب خلف هذه الأجساد الجميلة.

Recent Posts
bottom of page