حين يعلمّك أحدهم فن صناعة السعادة
- عناية جابر
- Mar 19, 2018
- 4 min read
أعياني الإختيار في عروض الكتب التي لم تستملني عناوينها، فكان أن اشتريت كتاباً كيفما اتفق، وجدت في عنوانه إحتمالاً لتسلية ما، أو بديل عن الأصيل فهي غلطتي على كل حال، وعقابي على نسياني وإرتباكي حيال الإنتقال الى حيّز جغرافي غير حيزّي المُعتاد. " صناعة السعادة" عنوان الكتاب اللقيط الذي حملتُه على عجل ، لكاتب أميركي غير معروف لذلك نسيت اسمه ، وقلت في سرّي فلأصنع سعادة من النوع الذي يرتأيه صاحب هذا الكتاب، ويدّل عليها في عنوان كتابه.
المصدر: الميادين نت
http://www.almayadeen.net/articles/opinion/865461/حين-يعلمك-أحدهم-فن-صناعة-السعادة/

من المفارقات المؤذية بالنسبة لي، أن يحملني السفر يوماً الى جغرافيا جديدة، وغرفة جديدة، وليل جديد وسرير جديد، من دون أن أكون اصطحبت معي كتاباً أو كتابين على الأقّل، من كتبي ألأثيرة التي يُجافيني النوم من دون أن تمّر كلماتها تحت ناظرّي. حدث هذا في سفر ما، في يوم ما، إذ كنتُ نسيتُ وضع هذه الكتب في حقيبة سفري. تنّبهت للأمر باكراً، أي قبل أن يحّل الليل، فخرجت أسعى الى كتاب يعوّضني عن هذه الهفوة ويُعينني على النوم. أعياني الإختيار في عروض الكتب التي لم تستملني عناوينها، فكان أن اشتريت كتاباً كيفما اتفق، وجدت في عنوانه إحتمالاً لتسلية ما، أو بديل عن الأصيل فهي غلطتي على كل حال، وعقابي على نسياني وإرتباكي حيال الإنتقال الى حيّز جغرافي غير حيزّي المُعتاد. " صناعة السعادة" عنوان الكتاب اللقيط الذي حملتُه على عجل ، لكاتب أميركي غير معروف لذلك نسيت اسمه ، وقلت في سرّي فلأصنع سعادة من النوع الذي يرتأيه صاحب هذا الكتاب، ويدّل عليها في عنوان كتابه. في الليل، وكنتُ متلّهفة الى نوع السعادة التي يقترحها الكاتب، قرأتُ سرداً بسيطاً ومُتأنياً يميل الى التأكيد والجزم لقارئه على أن السعادة في متناوله، كما ينحو الى التبشير بأن فردوسنا الأرضي على قاب أسرار ستّة منك أيها القارىء، بينما أنت – يقول الكاتب – غافل عنه. كتاب تقرأهُ قبل النوم على نيّة أحد سواك، نيّة شخص إفتراضي في أحسن الأحوال، وكتاب مرهون للصدفة، كتبهُ صاحبهُ على شكل " جردة " حساب لحياته بعد أن قضى خمساً وثلاثين دقيقة جهنمية ، في طائرة كان يستقلها وكان هو أحد ركابها، تعرّضت للسقوط. محنة، إكتشف الكاتب من خلالها كم كان مخطئاً في نهجه الحياتي البائس وسلوكه المُمل. الكاتب بعد ان تُوجّت رحلته الجوية الخطرة والمرعبة بخاتمة سعيدة على شكل هبوط إضطراري سالم، عمد فوراً الى إتحافنا بمبادئه الستة هذه التي تكفل لنا " عمراً جديداً " نرفل فيه بالسعادة والحبور. مبادئ ستة سلّمنا الكاتب مفاتيح أسرارها الكفيلة بدورها بإسباغنا بالسعادة المطلقة. أجل، ستة مبادئ كتبها هذا الرجل إثر نجاته، ومغادرته تلك الطائرة المشؤومة بركبتين مرتجفتين، ومعدة مضطربة، ورأس ثقيلة، وفنّد أسبابه أو نصائحه على الشكل التالي : " تحديد الأهداف التي يجب العمل على تحقيقها" " المشاركة بأنشطة وعلاقات إجتماعية" "التعبير عن الذات عبر أيّ وسيلة ثقافية أو فنية أو رياضية" " إمتلاك القدرة على التعبير عن الإمتنان والتقدير" " التعاطف والإلتزام مع المجتمع مادياً ومعنوياً" " الإيمان بالله وتنشئة أجيال تتمسّك بالفضيلة" . ستة مبادئ أوردها لنا الكاتب/ الناجي، وأردف إثرها للقارىء، ان في إتباعها ما يزيد من إحتمالات بلوغ السعادة والنجاح في الحياة، كما أورد للقارىء كيف أنه إختبر الأمر بنفسه. من جهتي، أن تقع بي الطائرة من السماء وتتحطّم على الأرض، أهون عليّ من إتباع بعض ما جاء في مبادئ " الناجي" من موت مُحقق ، خصوصاً تلك المتعلقة بالمشاركة بأنشطة وعلاقات إجتماعية. ما علينا، الكاتب الذي تعرّضت الطائرة التي كان يستقّلها( في العام 1984) للسقوط ، في رحلة أميركية روتينية داخلية من ملبورن في فلوريدا الى أتلانتا في ولاية جورجيا، وكان قد باع لتوّه شركته :" نيوميديا" لقاء مبلغ 60 مليون دولار( في ذلك الوقت)، ما يعني أنه عرف الثراء في عمر مبكر جداً، بعد عوز وسكن في أحد أحياء بروكلين الفقيرة كما جاء في سرده ، خلُص بعد نجاة عجائبية الى انه لم يكن سعيداً في حياته، واحتاجتهُ خطة بديلة للسعادة، الى مثل تلك التجربة المُرّة ليتفتّق ذهنهُ عن مثل تلك المبادئ التي ذكرها لنا. فكرّت وأنا اتصفّح الكتاب وأقرأ عن ثروة الرجل المهولة، أنه كان يسعهُ رفدي بشيء من ثروته، نذر قليل أعني، وانا أتدّبر شؤون سعادتي وأتكفّل بالباقي، من دون الحاجة الى بقية المبادئ، اللهم سوى البند المتعلق في شقه الأول بالإيمان بالله والذي لا فضل للكاتب فيه، فهذا والله ما أنعم فيه ويسكنني ويُعينني على بلاء هذا العالم الخرف والمجنون. أما الشق الثاني من المبدأ المقسوم الى قسمين، والذي يُفتي بتنشئة أجيال تتمسّك بالفضيلة، فهذا حكر على تعريف الفضيلة نفسها في زمننا الراهن، ذلك أنني لا أعتقد أن الكاتب الثري ثراء فاحشاً، جمع ثروته من الفضيلة تلك. المبدأ الآخر للكاتب، المتعلق بتحديد الأهداف التي يجب العمل على تحقيقها لبلوغ السعادة المرجوّة! فمن جهتي – ما دمت قد قرأت الكتاب وتوّرطت ببنوده – أعلن أن لا أهداف لي، ولا هدف واحد حتى، فكيف بالعمل على تحقيقها وكل ما يمّضني هو العمل نفسهُ، وجلّ رغبتي في هذه الحياة، هي عدم العمل بالمرّة، و" حطّ رجل على رجل " والتمتع بالحياة بالقدر البسيط من ثروة هذا الكاتب. لم تكف الكاتب، الذي نجا من الموت، ثروته ( ونحمد الله حمداً كثيراً على سلامته) فجاء ليزاحمنا على الكتابة، في كتابه الضخم كثروته" صناعة السعادة" وكأن للسعادة مقاييس وتُقاس هذه بالمسطرة، فلا تختلف شروطها وتتبدّل من شخص مثله الى كائن هشّ مثلي !! أحترم بالطبع ما عانى منه الكاتب خلال خمساً وثلاثين دقيقة كوارثية ، كانت تفصلهُ عن الموت، وفرحه إثر النجاة . لكن أن يكتب كتاباً ركيكاً فور نجاته مقترحاً علينا سعادة مُتخيلة عبر جُمل ست، لم يُقنعني الأمر ، والأجدى لو وزّع على البعض ثروته الكبيرة – ومنهم أنا – لحلّت علينا سعادة مُعتبرة وملموسة ولدعونا له بالسعادة ما تبقّى له من عمر .
Comments