ليلى مراد : بصمات واضحة في الثقافة العربية المعاصرة
- عناية جابر
- Mar 13, 2018
- 3 min read
صوت وأغنيات ليلى مراد، خزائن أحلام، والمضيّ فيها أقرب الى التجوال في ذاكرة مصرية فنية عظيمة، يغلبها الفرح والحب والمناجاة والمكابدات الخفيفة التي لاتُثقل الحب .
المصدر: الميادين نت
http://www.almayadeen.net/articles/opinion/864374/ليلى-مراد--بصمات-واضحة-في-الثقافة-العربية-المعاصرة/

من يدخل عالم الغناء العربي من باب حنجرة المطربة ليلى مراد، يجد نفسهُ فجاة وقد إجتاز الزمن . فهذه الزخرفات والوقفات والقفلات الشاهقة من حنجرة غنيّة ومتينة، هي في رمشة عين رحلة الى عالم بالألوان، ولا يحتاج السامع الى كثير خيال ليراه مرسوماً مُتحرّكاً، طفولياً وناضجاً أمامه. صوت وأغنيات ليلى مراد، خزائن أحلام، والمضيّ فيها أقرب الى التجوال في ذاكرة مصرية فنية عظيمة، يغلبها الفرح والحب والمناجاة والمكابدات الخفيفة التي لاتُثقل الحب . من كتب لليلى مراد، ومن لحّن لها، كان كمن خبرها وعرفها جيداً، مُتحررة من عمرها ومن الزمن، تنحو في الغناء الى مشاهد وعاديات الحياة كما والسخرية منها، كما لو لوحة مكشوفة. في كل أغنية غنّتها، السحر نفسه يتجدّد، وهي نسبياً " حدث " في حياة مستمعيها ومحبيها، فثمة ذلك الضوء المنهمر من صوتها ، وربما من الأبدية أو من ربة الفنون، تلك الروح الساهرة. ليلى مراد ضلع بين ثلاثة، فنانة عظيمة لأسرة فنية عربية- يهودية، كانت لها بصمات واضحة في الثقافة العربية المعاصرة، في مجال التلحين والغناء. رأس هذه العائلة الفنية والد ليلى مراد، الفنان زكي مراد، يهودي – مصري( يقال إنه أصلاً من طبريا في فلسطين) ظهر نجمه في مصر في مرحلة فنية بالغة الأهمية والخصوبة، هي المرحلة الإنتقالية بين رحيل محمد عثمان وعبده الحامولي( 1900- 1901) من جهة، وبروز الثورة الفنية لسيّد درويش (1917- 1923) . بعد تسيّد زكي مراد الساحة الغنائية، ظهر محمد عبد الوهاب وأبو العلا محمد والقصبجي وزكريا أحمد.. الأمر الذي لم يصمد أمامه فنّ زكي مراد التقليدي، فدفع بإبنته الموهوبة ليلى الى ساحة الغناء الحديث، مُتلقية دروسها على يديه أولاً ويديّ صديقه الملحن القدير( اليهودي أيضاً ) داوود حسني، ثم نظم لها والدها المُدرك لمنطق التحولات والتبدلات الجديدة الهائلة في حقلي التلحين والغناء، لتنطلق مراد حينها ، وبجدارة ، في مسيرة فنية سينمائية( معتمدة على إطلالتها الجميلة) وغنائية من تغريد صوتها الفرح، إطلالة لم تكن ليلى مراد نفسها لتحلم بها. شقيقها منير مراد تمكن بدوره، من إحتلال موقع بارز في تخصصه بالألحان الإستعراضية المرحة، المُشبعة بالطرب العربي الأصيل والحديث في آن، مع موجة جديدة من شباب التلحين والغناء آنذاك : عبد الحليم حافظ، والموجي، والطويل، الى بليغ حمدي وآخرين ، وظلت الجماهير تحيطهُ بالإعجاب حتى مرضه ورحيله في سن مبكرة. ليلى مراد لأسباب كثيرة، منها إصابتها بشيخوخة مبكرة في أوتارها الصوتية، آوت الى حياتها العائلية ( بعد زواج أوّل مع الفنان الممثل أنور وجدي لم يُكتب له النجاح) مع زوجها المخرج الكبير فطين عبد الوهاب، أنجبت منه نجلها الوحيد زكي( على اسم والدها) الذي أكمل رحلته كواحد من جيل المخرجين الشباب الواعدين في القاهرة حينذاك. حنجرة ليلى مراد عبارة عن آلة بشرية هدّارة ، قادرة على الغناء والتعبير فرحاً وحزناً، بروح وعاطفة. ثمة تلك الشاعرية في الصوت، والغنائية ذات الطابع والإمكانيات الخاصة المتكاملة، حيث لكل نبرة إنعكاساً رقيقاً في أسماع جمهورها. قلما صدّق الجمهور حالات حزنها في الغناء لأسباب على علاقة بشكلها وبنوعية صوتها ، فهي قادرة على محض الحياة والفرح للكلمات المكتوبة لأجلها وحتى العادية منها ، تمحضها الحياة ، حياة حلوة في الغالب على غرار أغنيتها " الدنيا حلوة" مجتهدة الى إستبطان أي ملمح حزن ، وبعزيمة الفرح تمنعه من الظهور. صوت مراد وجد نفسه في القوالب البسيطة التي تُمجّد " عاديات " الحب وشاعريته من دون الثقل الدرامي ، مكتفياً بالمشاعر البسيطة الهامسة. وكنتيجة لنمط صوتها كُتبت لها مئات الأعمال الغنائية المنفردة القصيرة المناسبة لصوتها، الى جانب مشاركتها لكبار المطربين في " ديوات" سينمائية بدت كلها ناجحة ومتألقة . قصة الملحن والمطرب والممثل محمد فوزي في تلحين أغاني فيلم " الماضي المجهول " خدمت ليلى مراد في هذا الفيلم تحديداً، واعتُبرت الألحان الخاصة بفوزي في هذا الفيلم ، نموذجية في تظهيرها أروع أغاني ليلى مراد السينمائية: " يللي غيابك حيرّني " و " ياليل سكوتك حنان" وهي من نوع الأحان المرحة، أو الموسيقى الساخرة كما في أغنية " الشحّات " في فيلم " ورد الغرام" لمراد وفوزي، هذا النوع الذي يعجز كثير من الملحنين عن الإقتراب منه. ماتت ليلى مراد عندما اعتزلت الفن ، بمعنى عندما توقفت عن أعمالها السينمائية وعن الغناء، لأنها فقدت الشعلة المضيئة بداخلها ( نتيجة الكثير من الوشايات كذلك المنغصات في حياتها الزوجية، والإشاعات التي شككت بمصريتها) ولأن المحرّك الداخلي الذي يدفعها للغناء قد توّقف. حياتها استمرت بمحرّك العزلة، والإعتكاف في البيت، وقطع الصلة بكل ما يجري في العالم الخارجي. ربما عرفت ليلى مراد في عزلتها ، بعض السكينة، وبعض الإستمتاع بملذات أخرى في الحياة الضيّقة التي إختارتها، هي التي أصرّت رغم مناشدات رجال الفن، على الإعتزال، لأن الإستمرار في العمل الفنّي، شيء روتيني تلقائي ينبع من الداخل ولا يتمكن الفنان من إيقافه أو تجسيده ، ما لم يحدث تغيير نفسي وتحوّل وجداني، الأمر الذي لم يحصل مع ليلى مراد.... لقد فقدت الطاقة المُحرّكة للفن تماماً، كالموت والحياة .
Comments