top of page

كتابة فورية ليست شيئاً سوى الفراغ

  • عناية جابر
  • Jan 22, 2018
  • 4 min read

.. الى ما هنالك . ما كنتُ أتفاداه في "مهنة " الكتابة في الصحف، ما كنت أخشاه حقاً أعني، هو الكتابة الفورية في رثاء كاتب أو شاعر أو فنان أو سوى ذلك.

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/854512/كتابة-فورية-ليست-شيئا-سوى-الفراغ/

أحبّ عملي في الإعلام المكتوب وأُخلص له. في الحقيقة أنا مخلصة بشكل عام لما يتعّلق بحياتي، وناس حياتي، وأشياء حياتي، وبعض حياتي التي أمضيتها في الكتابة. أكتب في الأدب والشعر والنقد والموسيقى والغناء والرقص، وأميل أكثر الى كتاباتي الخاصّة التي أنضجتها على شكل كتب أرّخت مشاعري ومعارفي بكل مؤثراتها وتناقضاتها، شعراً ونصوصاً ومقاربات لأدب الرحلات .. الى ما هنالك . ما كنتُ أتفاداه في "مهنة " الكتابة في الصحف، ما كنت أخشاه حقاً أعني، هو الكتابة الفورية في رثاء كاتب أو شاعر أو فنان أو سوى ذلك. الخشية ليست في فقر الكلمات أو نقص في قاموس مفرداتي، بل في القسر على التناول السريع في حالة الموت، لنتاج راحل ( ما يقتضيه الإشتغال اليومي في الصحف) من دون الوقوع في هفوات ذلك التناول السريع : " عنايا ، كتبي شي عن " فلان" هلق إجانا خبر موتو، بدنا شي لعبكرا عالسريع ! ". نروح نعكف على الكتابة – أنا وزملائي في القسم الثقافي- طبقاً للعرف وللتقاليد المهنية التي تراعي ما يُشبه التحية للراحل، فتأتي الكتابة كمن يلتقط الأسماك الميتة للكاتب الراحل، ويحاول أن يعيدها الى الحياة. نكتب في شأن الراحل أو الراحلة، ما يُشبه التوريات والكنايات التي هي في ذات الوقت، إفتضاح لهول لحظة الموت وإشارة الى حقيقتها أكثر منها كتابة عادلة في نتاجه وأدبه أو فنه. كتابة فورية ليست شيئاً سوى الفراغ، لا مفتاح ولا دليل. كتابة أغلبها عاطفية فجائعية وعلى قدر من الإيجاب لكل ما خلّفهُ الراحل وقدر كبير من اليقين بريادته، وكتابة عدمية تُشبه مآلات كل البشر، أدباء كانوا أو " عاديين " . الموت الذي مازلنا نفجع من حصوله، رغم أنه القضاء الوحيد الذي لامفّر منه، يجعلنا في غمرة الكتابة عن الراحلين للتو، الكتابة الفورية والكتابة المرتجلة، نُفرط في نبش أسرارهم الصغيرة والكبيرة لمجرد تعبئة الصفحات، في الوقت ذاته الذي نتناول ابداعاتهم على عجل، وننتهي الى تسطير أمزجتنا في الراحلين، من كوننا نحن أنفسنا غير واثقين مما نكتب، وفاقدون من فورية الموت وصفعته، لنقطة إرتكاز في كتابتنا . نكتب في استرسالات ملهوفة وأحياناً مغالطات ، فالميت في موته ، سوف لن يسعه الرّد علينا، ولا الدفاع عن نفسه ، فهو " الغائب" الموغل في غيابه ، وما من حول له للرّد بعد ولا قوة. سوف لن نعدم متفجّع ومتألم صادق أو كاتب مُتأن. ثمة ما هو غير انساني في هذا العرف الصحفي، وهو الهوس في الكتابة عن الراحلين، الهوس الذي يُجافي حقيقتهم أحياناً. كتابة مبهرجة بالأسف والبكاء وفيها الكثير من الطاقة التخييلية والتمثيلية ولا تُشبه في حقيقتها ، سوى الكتابة عن كائن جرى تجهيلهُ وتجهيل ماضيه وكتاباته في ذلك التماس الإنساني الذي لا يميّزهُ عن مطلق كائن سواه، رحل للتو. هذا العرف الصحفي واجب درج عليه الإعلام العربي ، فيما كلمات التأبين في الصحف الغربية، مُنتقاة بدقّة وموضوعية، وموكلة الى أكثر الكتّاب قرباً وفهماً من نتاج الراحل أو الراحلة، وإن لم تعدم بعض الإضاءات الحميمة اللمّاحة والمقتضبة ، على مزايا طبعت الراحل، وصفات وسمت حضوره. إن رحيل المبدعين الذين أغنوا حياتنا ومفرداتنا لا يحتاج الى هذه الكرنفالات التأبينية والإستعراضات العاطفية . قد تكون كلمة نعي ، أو بعض السطور في تعداد أعمال الراحل، أو جملة دافئة أكثر من كافية ، على أن تتبعها من دون إستعجال دراسات المختصين والمتابعين الجادين لأعمال المبدعين الراحلين، يكون مكانها في الدوريات أو الكتيبات أو حتى الكتب، بحسب درجة أهلية المبدع الراحل وعطاءاته الثقافية والفكرية عموماً. " الشاعر الفلاني، الأديب الفلاني، الموسيقي أو المُغني الفلاني، الرسام .. رحل عن عالمنا تاركاً خزيناً عظيماً للأجيال "... ديكور من المصطلحات الفضفاضة والبرّاقة والفخمة كما لو زينة بصرية من الكلمات، تصّح على هذا الأديب أو ذاك في إغراء كتابي يحاذر الدخول في نتاج الراحل ( إمّا لقلة معرفته أو ل " وهرة" الموت الذي حضر فجأة) . حذر مقصود ومرتبك و" كيتش " مصطنع. وعلى سبيل المثال لا الحصر ، رحيل الشاعر عصام العبدلله ، والشاعر الشحرور والشاعر ألبير فرحات، وقد تناولت الأقلام عبدلله في مقاربات عاطفية تريثت طويلاً أمام رحيله عن مدينته التي أحبّ ، عن مقهاه وبحره وقهوته وأنسه وكرمه وضحكته وصحبه ورفاقه، من دون الكتابة التي تزن نتاجه في عالم الشعر المحكي من قبل المهتمين والممتلكين للمعرفة في هذا المنحى الشعري الذي نحاه عبدلله والشحرور وفرحات، تفيهم حقهم الأكيد والمؤثر في هذا المجال . البذخ الوداعي حتى الإغراق ، يوقع لا بُدّ في بعض السطحية إن لم نقل الخطأ على اقّل تقدير . كتابات أو نتاجات الراحل أو الراحلة، الهاجعة في الكتب وفي سكونيتها وإنفرادها ، تأخذ في أحوال نادرة عناوين رئيسية فيما ال " ميزة " أو الخاصية التي تصبغ أعمال هذا المبدع عن ذاك ، تبقى خارج التناول لأن الموت يفرض رهبتهُ كما ذكرنا، كذلك الوقت الذي نكنسهُ كنساً كصحافيين مولجين بالكتابة ، مُتعجلين الى دفع مقالاتنا الى الطباعة، مقالاتنا التي تبدو مندهشة هي نفسها ، من ذلك المزج بين أسلبة صارمة لنتاج الراحل ، وتعبيرية ثرية في خوض موته وخوض وداعه والتفجّع عليه. أخيراً لعل من الأسلم ، في حفلات الرثاء المستعجل ، أن يتناول كل كاتب (في حالات الموت المفاجئة للمبدع) حالة فنية أو إبداعية واحدة يُبحر في إظهارها وتقديمها للقارىء، على أن يتولى آخر، حالة ثانية من سمات الراحل يفيها حقها وتلميعها .. وهكذا بعيداً عن الشمولية الآنية التي لاتُقدّم ولا تؤخر بالنسبة لقرّاء الخبر .. .

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page