top of page

شراء الكتب: تحرير للذات وشأن روحي وداخلي

  • عناية جابر
  • Dec 5, 2017
  • 4 min read

من المحتم، أن معارض الكتب تُتيح لك الفرص المحسوبة بدّقة، لإختيار ما ترغب من قديم، أو جديد الكُتّاب الذين تهوى أعمالهم.

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/841949/شراء-الكتب--تحرير-للذات-وشأن-روحي-وداخلي

فعملية إقتناء الكتب – بحسبي- تحرير للذات وشأن روحي وتعبير داخلي، لذلك تتوّزع وتتنّوع كيفية إقتنائه لدى كلّ منّا. لقارىء الكتب، طقوسه إذن في إقتنائها. يمكن لقارئة نهمة مثلي، ان تغفل مناسبة المعارض السنوية للكتب لأسباب لا علاقة لها بمنطق البيع والشراء وليست بالضرورة الطريقة المثلى، لكنها طريقتي. عملية شراء الكتب بالنسبة لي، تتعاظم فيها فرص سوء الفهم، كما تمتزج عناصر رغبتي ب" الكتاب" بشكل عام، بعناصر لا علاقة لها بتوّفرالكتب التي تُتيحها المعارض، ولا حتى بأسعارها المتهاودة إن صحّت هذه الأخيرة. أي بشكل أكثر دقّة، يمتزج ما هو عادي وطبيعي- فرصة شراء الكتب من المعارض- بما هو غريب وشخصي ويعود لطبعي وسلوكي بنسب متفاوتة وبتأثيرات ونجاحات تتفاوت نتائجها. في الغالب، أنا ممثلة صادقة لميولي ورغباتي التي تتسم ببعض الخصوصيات الثابتة. ولعل طريقة بروز هذه الخصوصيات، هي تجنّبي- لأماكن تجمّع الناس في سعيها الى الكتب- ما تمثّله وتتظهر فيه المعارض بالضرورة- وإقتصار حركتي وسعيي على التردّد على مكتبات بعينها تجمعني وأصحابها علاقة ثابتة ولطيفة. مكتبات في حلة بسيطة ، فوضوية العرض حتى وغير حداثية بالمرّة، أعني غير فسيحة وغير مرتّبة على نسق بعض المكتبات المشهورة، والبحث بنفسي عن كتاب ما لكاتب أحبّهُ، وإنتشاله من بين أنقاض الكتب المبعثرة، ومن دون أن يكون إصداراً جديداً بالضرورة، وخصوصاً من دون وصاية صاحب المكتبة ومن دون أن يتابعني مطلق أحد بغية المساعدة او سوى ذلك. من المحتم، أن معارض الكتب تُتيح لك الفرص المحسوبة بدّقة، لإختيار ما ترغب من قديم، أو جديد الكُتّاب الذين تهوى أعمالهم. بضربة واحدة، او زيارة واحدة في عبارة دقيقة، الى المعرض السنوي للكتاب، تضمن أو تكفل مؤونتك السنوية إن شئت ممّا ترغب وتُحب لهذا الكاتب وذاك فلست أنتقص هنا من هذه المرونة الشرائية للكتب ولست في صدد ذمّ المعارض، فالأمر على ما ذكرت على علاقة بي، وهذه " الهبة" التي تمنحها إقامة مثل هذه المعارض لمرتاديها العاديين، لاتناسبني، ولا تناسب أوتُقيم ذلك التوازن الروحي في الغالب، الذي أتبعهُ تقريباً في كل أول شهر، وإن يكن يشتمل على أخطاء ومهارات في آن، سوى أنني أجد فيه، الفضائل التي أرجو، ومتعة عظمة أن أنتقي وأنفض الغبار عن الكتاب المنسي، بدل أن يُعرض عليّ لامعاً مُتغاوياً، مُتشاوفاً على رفوف الكتب في المعارض. بالتأكيد ، بعض إنتقاءاتي تكون خاسرة في مثل المكتبات القديمة، لكنني أبداً لا أستخدم أو أُجيّر هذه الخسارات لصالح إرتياد المعارض السنوية، بل أنني في حال الخسارة، ولأمر اجهلهُ، أزداد عناداً وذوداً عن عاداتي وطقوسي، ذلك أنني أقع لا بدّ، بفضل المكتبات القديمة التي اشرت، على كاتبي أو كاتبتي المفضّلة، فأشتري جديدهم، وأعاود شراء قديمهم ، وأسمع لدى قراءتهم إرتجاجات الكلمات العميقة التي تسكنني طويلاً ، أسمع الكلمات كما يسمع كلّ منّا في داخله، صوته ووجيب دمه وسريانه في العروق. في المنحى ذاته، وبطريقة اكثر صدقاً، يبدو بالنسبة لي، مشهد الناس التي تجول في المعارض، تُشبهُ رياح الخارج التي تعصفُ وتُطيح بكل ما يُمثّل لي الكتاب وكاتبه من قيمة ، أرى فيه- وهذه رؤيتي وليست بالضرورة، حقيقية – مشهداً إستعراضياً فولكلورياً ينقصه الحب والحياة. وإذا كنتُ أجانب مثل هذه القاعدة، أي التجوال العادي في المعارض كما يفعل خلق الله، فلأن الشعور بتنّوع غريب في إنتماءات هؤلاء الجوالين، وبثقافاتهم الملتبسة والمتقاطعة في هذا المكان المقدس بالنسبة لي. أشعر بناس المعارض، سرعة تجوالهم، عدم توقفهم أمام العناوين، تقصّدهم لأماكن التصوير والتجمعات ، أشعر أنهم قليلو العاطفة، ويؤثرون حفلات توقيع المشاهير من الكتّاب وأخذ الصور معهم لمجرد أنهم مشاهير، غافلين الكتب الواعدة وأصحابها. حالتي، وحالة البعض على ما أعتقد، تبتعد عن إضفاء الطابع التجاري في المعارض، لترتمي في لحظات دفء قليلة أمام بعض الكتّاب الشباب الواعدين، مُتجنبين الناس التي تجول لغير غاية القراءة الحقّة، من دون أن تولي تجوالها المغزى الحقيقي من إكتشاف جهد الكثير من الشباب، فيبدو لي أنه من الصعب أن يكون غرامي في القراءة على هذا القدر من الإستخفاف بالكتاب وبجهد كاتبه. تُحاطُ الحياة التي تدور في المعارض، بإطار غائم ينسحبُ على الناس وعلى الرفوف المكدّسة التي تحمل الكتب، وعلى الناشرين والمسؤولين، وحتى على الكلام السريع غير المُنّغم الذي يدور على ألسنة المارّة هنا وهناك. تحّل القطيعة الكاملة بيني وبين الناس وكتب الرفوف، ما أن أصل الى أيّ " معرض كتاب " لأمر أجهلهُ، وأخمّنهُ في آن، نتيجة لكرهي لنوع الضوء في تلك المعارض بشكل أساسي، ولعدم إستعدادي لخوض أيّ نقاش مع مطلق صديق ألتقيه في ذلك المكان كما لو يعتدي على إحدى أجمل خصوصياتي، القطيعة التي تتناسب مع طقوسي في إرتياد المكتبات، في كامل الرقّة التي تستحوذني وكامل الحرية التي أحبّ أن أرمح بها من دون تريّث ولا للسلام ، تحت غبطة كامل الحياة التي تستيقظ فجأة في المكان ، وفي الكتب وفي فرسانها. قد يكون كل ما ذكرت ، تبسيطاً موارباً للقول بأنني لا أحبّ أن يرى مطلق كائن إختياراتي من الكتب، وقد لا أجد في هذا السرد السيء النية عن معارض الكتب ، سوى فرصتي لتثمين اختياراتي وحدي، وحركتي القليلة الدافئة من ضمن هذه الوحدة، في إختيار ما أحبّ من دون وصاية لا شكلية ولا فعلية، من دون وصاية – ولو غير مرئية- من أحد، وربما يخطر هنا ، أن كل هذه البراءة وهذا السرد الصادق، وكل هذا الحب للكتاب والتقدير لصاحبه ، لم يكونا إلا تمجيداً للحياة البديلة التي تمنحنا إياها الكتب ، والتي بالنهاية .. تُعيننا على الحياة .

.

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page