top of page

رحيل الفنانة شادية، وأدوار لم تلعبها على الشاشة

  • عناية جابر
  • Nov 29, 2017
  • 4 min read

يتمتّع بعض الناس بحساسية شعورية أكثر من سواهم. من هؤلاء الفنانة شادية التي رحلت عن عالمنا منذ أيام في إحدى المستشفيات المصرية.

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/840457/رحيل-الفنانة-شادية--وأدوار-لم-تلعبها-على-الشاشة

يتمتّع بعض الناس بحساسية شعورية أكثر من سواهم. من هؤلاء الفنانة شادية التي رحلت عن عالمنا منذ أيام في إحدى المستشفيات المصرية. حساسية شادية إشتملت على طرائقها التعبيرية المتنوّعة ما أكسبها تلك الحال الفنية الشمولية : الغناء الطالع من جسدها أكثر منه من حنجرتها، التمثيل الذي بذلت له أعضائها كافّة، ليأتي مُعبّراً في مشاركاتها الدرامية والكوميدية، وفي تناغم قلّ نظيرهُ عند باقي ممثلات جيلها في ذلك الوقت. الفاتنات لا يكتفين بفتنتهّن. فقد تكون المرأة جميلة، لكن جمالها لا يجديها نفعاً إذا كانت لاتُحسّ به. شادية، او " فاطمة أحمد شاكر"، الإسم الذي وُلدت به، كانت تعي جيداً جمالها، ومنه أطلّت على جمهورها تُغذّيه بتلك الفتنة التي لا تُنسى. كما أن جمالها نفسهُ، أورثها دهاء الانسحاب من دائرة الضوء وهي بعد في سن الخمسين( 1984) وفي أوّج عطائها الفنيّ . السيدة التي أرعبتها الشيخوخة الراقدة في جلدها، آثرت الإختفاء عن جمهورها، مُخلّفة صورتها في أذهان الناس، شابّة، جميلة، كارهة لفكرة آداء دور الأم يوماً على الشاشات، هي التي لم تُنجب يوماً، ولم تكن أماً، بل بقيت صبية فاتنة تدغدغ أحلام مُحبيها ومُريديها. من الأدوار الباكرة لشادية، والتي لم تلعبها على الشاشات، لأنها لم تكن بعد قد عرفت الشاشات، تلك القصة الشخصية عن حبها لإبن الجيران – الضابط احمد – القصة المتعارف عليها في الغالب لدى المراهقات، والتي إنتهت بإستشهاد الحبيب الشاب في حرب فلسطين عام 1948 في نفس يوم عرض فيلم شادية الأول. قصة شخصية صالحة بإمتياز لفيلم عربي بالأسود والأبيض، لم تتسنى لها خاتمة سعيدة على غرار الفلام العربية في ذلك الحين، لكنها رسخت طويلاً وعلمّت، في روح شادية، ولعلها كانت مُحفزاً جيداً على لعب أدوار الحب والخيبة على الشاشات في ما بعد. لم تكن أماً يوماً ولا أنجبت، رغم أنها إرتبطت بزيجات ثلاث، منها واحدة مع الممثل الراحل عماد حمدي، وكان يكبرها بأكثر من عشرين عاماً، وانتهت هذه إثر صفعة على وجهها تلقّتها منه أمام أصدقائهما. في الحقيقة، كنتُ ألحظُ والدي، لايُتابع فيلماً عريباً حتى آخرهُ، مالم تكن شادية بطلتهُ أليست شادية " دلوعة الشاشة" ؟. سوى أن شادية بحسبي إمتلكت أكثر من الدلع. كانت تمتلك ذلك النداء الطالع من عينيها، وذلك الجاذب الأكيد الفائح من قسمات وجهها، كما من جسدها المعتدل الرشيق. لم تكن شادية مثيرة أحياناً فقط، على الصعيد الفيزيكي، بل كانت أيضاً مثيرة للإهتمام، ذلك أنها جهدت الى آداء كل الأدوار، ببراعة تفوّقت على جمالها الجسدي الى حدّ إصغاء الجمهور لها ومتابعتها بإهتمام ورغبة في هذا الدور أو ذاك. لم تات شادية ( 1934) من فقر مدقع، ولا هربت من " تحريم" عائلي على إلإشتغال بالفن ولا من صدفة وضعتها أمام مستقبلها الزاهي، بل هي سليلة عائلة مصرية تقطن حي عابدين، والدها مهندس زراعي( أحمد كمال شاكر) قادها من يدها راضياً الى حيث أعلن المخرج أحمد بدرخان عن مسابقة تُعنى بالوجوه الجديدة للسينما ، ومن هذا التفصيل في حياتها ، تعدّى إشتغالها في السينما، ما فاق ال 112 فيلماً، بالإضافة الى مسلسلات إذاعية عشر، ومسرحية أولى ووحيدة ظهرت فيها شادية بطلة أمام أبطال مُكرسين حينها منهم الممثلة القديرة سهير البابلي ، وأيقونة الكوميديا المصرية الراحل عبد المنعم مدبولي. ميّزها بشدّة دورها في " المرأة المجهولة" للمخرج محمود ذو الفقار، وفيه أثبتت مقدرة لافتة على آداء كافة التلوينات التعبيرية، في حين لم تكن بلغت بعد الخامسة والعشرين. تمتّعت شادية بالأناقة في كل ما كانت ترتديه أو تقوم به. وهي عرفت كيف تبدو انيقة من دون مُغالاة أو تصنّع، فلم تتجاوز في هندامها، البساطة والذوق والإبتعاد عن العري الفاضح، بل اعتمدت تسريحة لطيفة ومُحببة، و" ماكياجاً " بسيطاً تاركة لعينيها المُعبّرتين الكلام، ولجسها الضئيل حركته اللبقة التي لا تُعادي الإغراء ، ولكنها لا تفتعلهُ. أناقة رافقتها في كل أفلامها، وجعلتها الأكثر قرباً وجاذبية بين بنات جنسها من الممثلات، وكانت شادية من الفطنة بحيث لم تخن الذوق السليم، في كل ظهوراتها السينمائية. شادية ( من شادية الكلمات لقب أطلقهُ عليها الممثل الراحل عبد الوارث عسر، ولعلهُ الأقرب الى صوتها الجميل) ممثلة غامضة الى حد ورائعة، وكانت على إتصال فعلي بأدوارها، ما مكنّها من مقاربة الدراما الحزينة، والكوميديا حتى منتهاها، التي فاجأت جمهورها العربي على الإضحاك والمزاج " المعفرت" ولسنا في تعداد هذه الأفلام هنا أو في ذكر تسلسلها بل نتكلم عن ممثلة إستثنائية لن تغادر ذاكرة جمهورها الذي يحفظ جلّ أعمالها. شادية التي بقيت نجمة شباك التذاكر لمدة زادت عن ربع قرن، لعبت ايضاً الكثير من الثنائيات" ديو" مع ممثلين مُعينين منهم عماد حمدي وكمال الشناوي، غير أن ما فاق كل التوقعات ، لعبها الثنائي مع المطرب والممثل الراحل عبد الحليم حافظ في فيلم " معبودة الجماهير" الذي بقي بصمة دامغة في خيال ووجدان جمهورها العربي . تنتابني مشاعر غريبة حيال رحيل هذه الفنانة ولا أجد لها سبباً معقولاً أو تفسيراً. ولعلها المشاعر المتأتية عن طول إحتجابها عن الشاشة كما لو كان إعلان موت مبكر،أو لعلها شأناً آخر لا أفهمه فالزمن يصنعُ أحابيله بشأن الناس والمشاهير حتى. وكلما أفلحتُ في إتصال على علاقة بذاكرتي مع وجودها وتسلسل أفلامها وأغانيها، وجدتُ أنني أمسك بسلسلة متقطعة، وقطعاص أنا المسؤولة عن تقطّعها. لكنها فنانة عاشت واجتهدت وماتت، وهي أفلحت في ترك الإنطباع الجيّد، بأنها بذلت ما وسعها ، لترك ذكرى عطرة عن كل إختياراتها ، بما في ذلك إبتعادها عن الأضواء كما ارتأت هي نفسها .

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page