top of page

يوم احد عادي

  • عناية جابر
  • Aug 9, 2017
  • 3 min read

كان يوم الاحد، وكنت أسير على الرصيف الخالي من المارة في قيظ الصباح الصيفي.بقلب ثقيل وعينين شاردتين كنت اخطو خطى مستقيمة، فما من حشود أتفاداها. كان شعري الغزير لا يتزحزح عن رقبتي المتعرقة، وتتساقط قطرات العرق على وجهي كأنها الدموع. لما بلغت المدخل الرحب لكنيسة الكبوشية في شارع الحمراء، دخلت بحركة آلية اذ كنت بحاجة الى مكان اجلس فيه وأفكر. كان صديقي قد ذهب الي الجنوب لرؤية بيته الذي هدمته الحرب. احسست بوحشة خفيفة حين اخبرني انه ذاهب، غير انني الآن لا اشعر بشيء. جاءت سيدة فلبينية وحسبتها فلبينية من عينيها المشقوقتين شقا رفيعا. فلبينية او لا أدري ماذا، جاءت وجلست الى جانبي كأننا اختان.جري بيننا حديث عشوائي، متنقلتين من موضوع الى موضوع على نحو وجدناه كلتانا طبيعياً تماما. تحدثت عن المنزل الذي اعتادت العمل فيه كمربية اطفال، وقالت ان اهله ناس بلا قلب ولا يعالمونها جيدا. كما تحدثت ايضا عن الحرب الاخيرة وعن كيف تركها اصحاب البيت وحيدة مع قطة سيامية. صادروا باسبورها وكافة اوراقها الثبوتية ومقتنياتها الذهبية وأقفلوا عليها الباب بالمفتاح. قالت لي، وحكت عن حال الكآبة البالغة التي حلت بالقطة، امتناعها عن الاكل وتساقط وبرها واخيرا عثورها عليها ميتة، وملتصقا جسمها المتعفن بالبلاط تحت السرير.قالت بأنها مسلمة والحمد لله ، غير انها تأتي الي الكنيسة في صباحات الاحاد، تلتقي بصديقاتها المسيحيات، تنتظرهن الي حين تأدية صلواتهن ثم يخرجن معا الي اماكن نزهاتهن. قلت لها انني انا ايضا مسلمة، وحين سألتني عن معني مجيئي الي الكنيسة اذن جاوبتها: جئت لافكر. لم ترتفع عيناها لتلتقيا بعيني فأقرأ فيهما استغرابا او سوي ذلك. ظل رأسها منحنيا في اصرار فلم تمكنني من تعابير وجهها. جاءت احداهن تشبهها، جلست بقربها وطفقن يثرثرن في الكنيسة الخالية الا منا ثلاثتنا.معا في الكنيسة، وقد غص المكان بالحضور، فجأة، لبنانيون واجانب. ان ترتيبا لافكاري كان ليبدو ممكنا بلا ادني ريب لو كنت تركت وحدي هنا، لكن كل هؤلاء الناس! كان علي اخيرا ان اشق لي طريقا الي الخارج، فقد بدأت روحي تتعذب. بهذا حدثت نفسي. وقفت تحت شمس لا ترحم، اترنح قليلا من وطأتها، بينما السيدة الفلبينية تبعتني الي الخارج وتقدمت الي تدعوني لمرافقتهن الي مطعمهن. هكذا قالت مطعمنا يرتدنه هي وصاحباتها كل نهار احد. كان شعوري بالزمن مشوشا الي حد ما، غير ان الوقت بالتأكيد لم يكن قد تعدي الثانية عشرة ظهرا ومن ثم، لم يكن الوقت متأخرا جدا. متأخر عن ماذا؟ سألت نفسي وابتسمت. في الواقع ما من امر نتأخر عنه او نتقدم.مشيت معهن حتي بلغن مطعمهن. ضوء داكن وروائح غريبة. الان بعد ان اصبحت في المطعم فعلا، افقت قليلا بفعل السرعة التي جرت فيها المسألة كلها وبفعل الانفعال. ماذا اظنني فاعلة هنا وحدي مع هاته الآسيويات الغريبات واللطيفات؟ شرعت ألمس بطرف اصبعي شعاعا من ضوء الشمس امتد الي زاوية الطاولة التي اجلس اليها، ثم استغرقت في التربيت علي السطح الاملس الملون، دون ان اجد في نفسي الشجاعة لمشاركتهن احاديثهن. بدأت رزمة الثوم المجدول والمعلقة خلف رأسي تماما تضايقني. حاولت ان ابدو طبيعية بعض الشيء، وألعب احد ادواري الصحافية علي الاقل كتبرير وحيد عن حماقتي ويصّاعد مذاقها ثقيلا في فمي. قمت وغادرت بهدوء. السيدة الفلبينية وكما لو تعتذر عن امر ما، تبعتني وكررت دعوتها لي الي موافاتهن في نهارات عطلاتهن. لكي تتسلي قليلا ـ قالت لي ـ فأنت تحتاجين الي الرفقة والتسلية.بدأت ادرك دلالة انضمامي الي نسوة غريبات، تحت تأثير حنان بشرتهن الصفراء. اليوم الاحد ظهرا، بدأت اعي الشيء الجديد، المخيف والآخذ في النمو وعلي منذ الان معايشته. شرعت باجتياز الشارع، وتوقفت قليلا أتأمل واجهة مكتبة انطوان المقفلة. كان حديدها الزهري باهتا، صدئا الي حد ما. كانت الواجهة بحاجة الي الطلاء والزيت والحب، بيد انها علي حالها المتواضع، بدت مكتبة تتسم بالقوة والجمال. طرقت بجماع كفي علي الحديد الخارجي الضخم الذي يوضع علي ابواب المحلات كثقل مضاد، فاهتزت بيسر الكتب المعروضة. اهتز تحديدا كتاب ذئب البوادي لهرمان هيسه. ايضا كتاب اهالي دبلن لجيمس جويس، فأرخيت كفي عن الحديد المتسخ، ومضيت عارفة لا شك، ان الوقت قد تأخر كثيرا عن امر ما

.

Komentáře


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page