top of page

نُصرت فاتح علي خان ، أهدى العالم صوتاً جديداً

  • عناية جابر
  • May 17, 2017
  • 3 min read

عشرون عاماً على غياب نصرت فاتح علي خان، موسيقار الحوار بين الأديان الذي مكّن الغناء التعبّدي الصوفي من دخول جوارح مستمعيه..

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/57099/نصرت-فاتح-علي-خان---أهدى-العالم-صوتا-جديدا

عشرون عاماً على غياب نصرت فاتح علي خان، موسيقار الحوار بين الأديان، المولود في مدينة فيصل آباد، والقوّال الوحيد الذي مكّن الغناء التعبّدي الصوفي من دخول جوارحنا، ومن أن يترّسخ كظاهرة غنائية عالمية، له مُعجبون ومُعجبات، مُستمعون من شتّى أنحاء العالم ومشاهدون. من حفلاته المنقولة نادراً على شاشات التلفزة تتداعى إلى ذهني صورته، متحوّلاً تحّولهُ الغريب أثناء الإنشاد، كما لو كائن ممسوس بشيء فاتن، في خضمّه لايستطيع السيطرة على جسده، ولا على روحه وبدنه.الأغاني الروحية شكلت جزءاً عزيزاً من غناء نُصرت، وتمر في رأسي شذرات من حفلاته التي أحتفظ له بها، وكلها تشترك في تشابُهات أساسية، حيث رقص الفرقة الجماعي، والنشوة متأتّية من ترنيح الرؤوس والأيدي إلى باقي أعضاء أجسامهم.أغنيات فاتح خان هي ذات ترديد شديد مع التركيز على الإيقاع بدلاً من اللحن، وبعض عناصرها متأتّية (العربية منها على وجه الخصوص) في لباس أسلوب الترانيم والابتهالات التي تمنحها جاذبية خاصة.في إحدى حفلاته، حيث يقف خان مع أخيه عازف الطبلة، ثمة في الوسط ثلاثة موسيقيين ومُنشدين، يصفّقون بأيديهم، ويوّقعون إيقاعات بأرجلهم حتى حالة الانخطاف، فتأخذ الفرقة بالغناء مجتمعة، فيغنّون أحد ألحان الصيحة الغريبة، التي يعود وينفرد بها خان في خط واحد تصاعدي، وشيئاً فشيئاً تخفت أصوات الفرقة، ليتصاعد صوت خان منفرداً بكل الشجن المضطرد ازدياداً، محافظاً مع ذلك على مسايرة توقيت وضبط الموسيقى بدقة بالغة.هذه الخطوة في الغناء عند خان، هي نصف الطريق بين المراوغة والرقص، وهي صعبة الوصف على الشخص غير المُدّرب، بقدر ما هي صعبة التقليد. في نهاية كل بيت شعري من الأغنية المُغنّاة، يتوّقف القوّالون قليلاً، ضاربين الأرض بأرجلهم عند آخر نوتة، مُقدّمين رجلاً على أخرى، ليبدأ خان بالوصلة التالية مُبدّلاً في حركتهم بتردّدات صوته الضخم. وهو غالباً ما يمعن في توهانه اللحني والغنائي إلى أن يُصبح إيقاع عويله نافذاً إلى قلوبنا، مُحمّلاً بحزن عصيّ على الوصف، إلى أن يبدأ خان المراوغة الحثية بين الرقص والغناء، في ارتفاعات قدميه عن الأرض بشكل لا يُلحظ.أغنية خان الروحية هي " اليوبيل ". فاليوبيل مُفرح ومُحزن وإيقاعي في آن، ويُعلن عادة عن أشياء على شكل تنبّؤات، وله لحن واحد مُعيّن ومناسب لطريقة النداء والجواب، يُغنيها مرنحاً جسده إلى الأمام والخلف، مانحاً اللحن بصوته الشجيّ مزيداً من الحياة.يعتمد خان إطالة وتثبيت اللحن، ففي بعض أغنياته، " كأغنية ليلية "، تزاوج الموسيقى بين آلات الشرق وآلات الغرب، مشرّبة بروح العصر من دون أن تفقد هوياتها. هذا الشكل التزاوجي يُحيلهُ خان إلى زمن أكثر بطئاً مما هو في الأساس، ما يمنحه فتنة سماعية خاصة تتولّد غالباً من طريقة تفكيرية للمُعبّر عنها – أي خان نفسه – فتتظهر الأغنية الروحية ذات الموسيقى الحزينة والإيمان العميق، والنداء والجواب وأوزانهما المُثيرة المُحيّرة.ثمة في غناء خان ما هو وحشيّ وبدائي لايمكن تعليلهما. لعلّه ذلك التوقيت الرائع أو الحدس الرائع بالإيقاع على هدى دواخل المغنّي. هذا الحدس يمنح صوته تردّدات وترجيعات عدّة مؤلّفة من خطوط شجيّة في الوقت نفسه، يُضاف إليها الطعم الغريب أو النكهة التي تسم شدوه. والنتيجة هي التوافق غير المتعمّد بل العرضي للغناء الذي يتكفل بفتن الأسماع واستمالتها، الأسماع المُدرّبة على تقنية وبراعة الغناء .كل من شاهد حفلات خان أو يحتفظ بإحداها، يرى إلى المغنّي، وفرقته المؤلّفة من عشرة رجال في الغالب، كما لو لايعزفون الموسيقى – وهم يعزفونها في الحقيقة – وإنما هم بأصواتهم وأحاسيسهم وأبدانهم، الموسيقى عينها الطاهرة المتأجّجة، والنشوة ووجد الخلاص من عتق بلاوي الحياة.ثمة آهات لولبية يطلقها خان، وبالأخصّ حين يتبارز فنياً مع أخيه عازف الطبلة، ومع تواليلت الأرغونيين القصبيين. في هذه الحال، من تبقّى من المنشدين، يكتفون بالجلوس في الخلف وليست لهم مهمة سوى ترديد " اللوازم " مع ما يستتبعه ذلك من نشوة للأرواح والأجساد تنتقل تلقائياً إلى السامعين، وتخلق حالة غير مسبوقة من الإيغال في الإنشاد الشرقي.نصرت فاتح علي خان أسمع العالم صوتاً جديداًومُدهشاً، كما شارك في وضع موسيقى تصويرية لعدد من الأفلام الهندية، بالتعاون مع مغنّي الروك المعروف بيتر غابرييل في فيلم مارتن سكورسيزي " إغواء المسيح الأخير" حيث ضمنّه مقطعاً من أغنية خان: "شمس الضُحى، بدر الدُجى " في مشهد صلب المسيح. كما استخدم الموسيقار والسينمائي الكبير جيري غولد سميث صوت خان في فيلم "الشبح والعتمة " من بطولة مايكل دوغلاس وفال كيلمر، لإضفاء مسحة صوفية للأسد المتوجّس في الظلام، متربّصاً للإفتراس.يظلّ في رأسي، كلما اشتّدت المسائل عندي، حفلهُ وهو يغنّي، حيث يبدأ بكلمات مُرتجلة غالباً، أما الآخرون الذين يساعدونه بغناء " القرار " أو يشتركون معه في ال " سولو " فيبدون كأطياف ممحوّة حيال حضوره الطاغي. وحينما يبدأ الكورس بالهمهمة، يتوقّف نصرت عن الغناء تاركاً بقية الجُمل للمردّدين ليكملوها على طريقتهم، ويبدو أنه يسمح لأفراد فرقته باتباع أهوائهم، فيروح هؤلاء بالغناء والتوقّف عنه بحسب الحالة الطربية التي تمتلكهم، غير أنهم جميعاً، مع خان بالطبع، يغنّون بتوقيت رائع من دون أيّ نشاز بالمعنى الأكاديمي، غناء يُقارب انزلاقات من نوتات سماوية ودورات إيقاعية والتفافات أحسبها من عالم آخر..

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page