top of page

بين أوباما ومارتن لوثر كينغ: الميراث اللوني الفادح

  • عناية جابر
  • Apr 25, 2017
  • 3 min read

لم يكن الحلم الذي ساور لوثر كينغ يوماً، في بذخ الأحلام التي تساورنا كعرب الآن، المكتوين بطروحات ديمقراطية الرجل الواحد بمباركة حكّامنا. اليد الترامبية المعدنية الهائلة، التي تعصر الأطفال وتدكّ البيوت وتُعيد ترسيم المنطقة وتقوّض الأحلام كافة.

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/56005/بين-أوباما-ومارتن-لوثر-كينغ--الميراث-اللوني-الفادح

حضرتُ في بوسطن يوماً، احتفالاً مناسباتياً في ذكرى مارتن لوثر كينغ. حين تحتفل أميركا بذكرى مارتن لوثر كينغ، فإن نذراً من شعب أميركا يحتفل، وليس شعبها كلهُ، ذلك أن المُحتفى بذكراه في النهاية، كان رجلاً أسود. عارض كينغ في حياته الصاخبة والقصيرة تلك، الحالة العنصرية المُدانة إنسانياً، ونافح عن حقوق بني جلدته على طريقة القناع الأميركي القديم في ضدّيته. نضالٌ مُطرّزٌ بحاشية مُلتهبة إلى الحرية، فبدا في خطبه أستاذاً في الإقناع، ومنافِحاً ممتازاً عن حقوق السود في ارتباكها التهكّمي. نظرة لامعة، شريفة إلى الحق وإلى الحياة في استغاثات يصبغها الإرتجال الجماعي للجماهير الملوّنة الغارقة في نبذها واستلابها العميق.أوباما كان أسود اللون، وخلص بطريقة معقّدة المرامي إلى أن يُصبح سيّداً للبيت الأبيض، سوى أن سواده لم يَحل بينه وبين انتصاره الصوَري في الحقيقة، لأغراض أميركية ممعِنة في سياستها، متجذّرة في أميركيّتها.لم يكف مارتن لوثر كينغ أنه أسود، بل هو امتلك حلمهُ أيضاً: إنني أحلم ولا أحلم – يقول مارتن – بيوم يعيش فيه أطفالي الأربعة بسلام، ولايكون الحُكم فيه على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم.ذهب الرجل بجلده وحلمه في عام 1968، أي صارت "عضامو مكاحل" على ما نقول باللبناني المَحكي، ولم يترك لأبناء جلدته سوى الكوابيس. ليس أبناء جلدته وحدهم، العالم كله "مكَوبس" من الأميركيين. لعل السيّد باراك أوباما في خضم الكوبَسة الآن بعد مجيء ترامب، وبعد أن (نأى) حلمهُ الشخصي بعيداُ منه. لن تنفعهُ أوبرا وينفري كما في السابق بكل وهجها الإعلامي وملايينها وشركاتها، أوبرا نفسها لن تكون يوماً سيّدة البيت الأبيض، فالأمر في النهاية أبيض وأسود وهو شديد الوضوح في مجيء ترامب وفي تهكّمه على خلق الناس. هالي بيري برغم أوسكارها تعرف ذلك، دينزل واشنطن يعرف، وجيمي فاكس ومايكل جوردان وشاك أونيل وتايغر وود، والراعش الكبير محمّد علي كلاي عرف ذلك، والأخير أضاف إلى ذنب لونه، ذنب تحوّله إلى الإسلام. وحدها السيّدة روزا باركس، راكبة الباص في المقعد الأمامي المخصّص للركّاب البيض كانت تعرف وتضحك.ثمة بالطبع اللون الأبيض السيّد، عدّو اللون السود. والراجح أنه قلما يجد اللون الأبيض نفسه، إلآ حيال نفسه. الأبيض المهدّد باللطخات، لا يجد خارجه سوى الألوان الأعداء: أسود، أصفر، أحمر، أزرق، بني، أخضر، كلها ألوان ملطخّة ومهدّدة للأبيض المُستبّد، الأبيض في افتتانه بنفسه المنفصمة، ولا ترقص إلاّ في مواجهة الألوان العدّوة. الأبيض في ذاته السقيمة، ذات التخلّف والميراث اللوني، تاريخها وزمنها.وإذا جاز أن نسمّي ديمقراطيته – ويخرج علينا بها شاهراً سيفاً ذهباً – أو ننعتها، جاز لنا أن نعتبرها نوعاً من ديمقراطية غير متحرّرة، هي ذاتها من دون أناها ووضعها وشرطها، فلا تصّح فيها أي دمقرطة ما دامت هي الموضوع والتحوّل والبعث والقدر واللعنة، أي كل ما يتخطّى الشعوب كافة، عداها.لعلّ أول ما فعلته ديمقراطية ترامب اليوم، هي إعادة الاعتبار لضمير المتكلّم (أنا) ليكون مجدّداً محور العالم، وليس تحريراً للذات الأميركية الشعبية من دموية قاتلة تصبغُ يديه وأيدي جيوشه، ولا مكان فيها للغفران أو التسامح أو التساوي أو النظر بعين الرضى لخصوصية باقي شعوب الأرض، أو احترام مقدّساتها وأوطانها.إنها الديمقراطية الترامبية المتقزّزة واليائسة من عامة خلق الله، وهي ديمقراطية رئيس العالم، وليس كاتباً بائساً أو كائناً مقهوراً ومتوحّداً.ديمقراطية خطرة، ومرعوبة في آن من هيجانات الشعوب وقهرها لهم. الديمقراطية الترامبية النخبة، وقد رحل عنها مارتن لوثر كينغ في مشهدها الأقل تسلّطاً – حسناً فعل – من دون أن يتسنّى له الخوض في أوحالها وفي عيوبها الأكثر تظّهراً وفتكاً. الديمقراطية المتطاولة إلى التماهي مع تاريخها نفسه، بمقدار ما يمضّها الشعور بهامشيتها وقلّة مواردها باضطراد مستمر، ولا نغفل إجرامها وشراستها.هذه الديمقراطية في موقفها العدائي ضدّ الآخرين، قادرة في تناقضها على إنتاج آلياتها المتضخّمة، بدل أن تتحوّل بحسب حلم كينغ إلى قدر وتاريخ وضمير جماعي. ديمقراطية ترامبية، أميركية في الصميم هي الصدع الذي يتسرّب منه كل أشكال السحر والشعوذة على باقي الشعوب في أفعال مدمّرة مجنونة.لم يكن الحلم الذي ساور لوثر كينغ يوماً، في بذخ الأحلام التي تساورنا كعرب الآن، المكتوين بطروحات ديمقراطية الرجل الواحد بمباركة حكّامنا. اليد الترامبية المعدنية الهائلة، التي تعصر الأطفال وتدكّ البيوت وتُعيد ترسيم المنطقة وتقوّض الأحلام كافة.كان في حلم مارتن لوثر كينغ نداوة وحيوية لا نجدهما في أحلامنا العربية، ذلك أن القتلة يجولون بيننا، في مدن موصولة بمدن، وسيوف موصولة بسيوف، فلا نبذل لليالي بعد، فسحة لأيّ حلم فقد وصلتنا الصورة واضحة، وتلقيناها مباشرة، ولن يطول الوقت حتى يشتّد ويسمك الحجاب ما بين نومنا وحلمنا. حجاب أسود كثيف بالضرورة، وهو الليل الطويل في شكله المُضمر...

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page