الموسيقى العربية
- عناية جابر
- Apr 25, 2017
- 3 min read
هل يمكن ان نقول ؟ ما هي الشحنة الانفعالية التي نتلقى عندما نستمع إلى الموسيقى العربية؟ التحدث عن لا أظنه يحيل إلى معنى قانوني يحدد ملكية الموسيقى القانونية. ليست حقا قانونياً يمكن تحديده بالجغرافيا وبالأمتار وبالوزن لكي نتعرف إليها. هي أغلب الظن روح الشعب وطريقته ببوح مشاعره وأحاسيسه وأسلوبه الخاص بالتعبير. الموسيقى لغة ثانية تضاف إلى لغة شعب ما وتمنحه هوية إحتياطية ثانية. وجهنا الذي يطل قبلنا، هي اسمنا قبل أن نسمى. يتعرف الآخر علينا من خلالها ويعرفّنا بالوقت ذاته. هي إذننا الأولى وأول لحن تدندنه الأم لولدها عندما يأتي إلى العالم. هي أول الذاكرة عند الطفل وأول صوت وأول الكلام. بداية الإيقاع والتقطيع والزمن والمسافات. أجل هي مبتدأ العلاقة مع الزمن، زمن الصوت ومدّاته واقتصاراته. هي ألحان تختزنها ذاكرة الشعوب من خلال تاريخها الطويل وقبل التعرف على نظامها الداخلي وبنيتها المحكمة اللذين لا يعرفهما إلا الراسخون بالموسيقى. كلنا يتعرف على إسم البلد من موسيقاه وألحانه وآلاته وإيقاعاته ونوع أصواته وقيمتها الزمنية وموقعها على المدرج الموسيقي. أجل الموسيقى تراث قديم متوارث لا يتصل بالثقافة المباشرة الحاضرة بجوانبها الإجتماعية أو الزمنية او القانونية. هو بناء سابق على التاريخ الحالي للمجتمع ولا يتحدد به وبشروطه الحالية مباشرة. الموسيقى جزء من المزاج الشخصي للشعوب. أي ذلك الجزء المتأصل فينا وفي شخصيتنا العامة التاريخية الذي لا يتعرض للأهواء والتأثيرات والرياح الثقافية والتحولات الإجتماعية كتعرض أصناف وميادين الإبداع الأخرى، من أدب وشعر ورسم ونحت وما إليها. هكذا يتهيأ لي على أي حال. صمود الموسيقى أمام التأثيرات الخارجية أو أمام الإحتكاك بموسيقى الغير لا يحتاج إلى إثباتات دامغة وإسنادات عالمة. دليلنا إلى ذلك هذه الموسيقى التي إسمها لاتينية وعربية وتركية وفارسية وهندوسية ويونانية الخ.. والتي تشي بهويتها منذ الجملة الموسيقية الأولى. من المؤكد أن التصاق الموسيقى بمزاج الشعوب التاريخي لا يعني بأي حال من الأحوال أنها جسم على حدة عصيّ على التطور والتغيّر بفعل الزمن والتحولات التي تطرأ على أشكال المعاش والإنتاج ووسائل العيش والكسب والعمران البشري والمادي. ما من شك أن أشكالها وقوالبها وآلاتها تخضع لمرور الزمن وتقلباته. ما من شك أن الأذواق ذاتها تخضع لتبدلات الزمن وتغيراته. لكن التغيّر الذي يصيب الموسيقى لا ينال من روحها فتبقى نكهتها معروفة ومعتادة للإذن التي تسمعها. في هذا السياق تعوزنا المسافة التاريخية الضرورية لكي نؤكد أو ننفي تلك الطروحات عن الروح التي يزعم البعض أن الموسيقى العربية قد حافظت عليها عبر الأزمان. ليس لأن الموسيقى العربية يعوزها التاريخ بل لأنها غير مكتوبة وقد تناقلتها الأنامل والآذان بدون وثائق مكتوبة. السؤال ههنا ليس في عدم أوعدم قيام الموسيقيين العرب القدامى بتسجيل موسيقاهم وتوثيقها بل في معرفة السبب الذي منعهم/ أو أتاح لهم القيام بذلك. هل هو على علاقة بمحتوى هذه الموسيقى وثراء مقاماتها الهائل والعدد اللامتناهي من الامتزاجات الممكنة لأصواتها ونوتاتها؟ هذه الفجوة التي نتحدث عليها والتي قد تكون سر هذه الموسيقى العظيم لا تتيح التبحر في الزمن و العودة إلى الوراء بما يكفي. لكنها بالمقابل أتاحت للمحدّثين أن ينفذوا منها ويستندوا إليها كضعف تكويني في بنيتها لكي يدعون إلى التخلص من التخلف والفوضى والإنكباب على كتابة الموسيقى وتوثيقها وفقاً لـ’علم’ الموسيقى الحديث. هنا قد تكون الإيديولوجيا قد تسللت إلى الروح عبر ثنائيات التطور- التخلف، أو القاعدة-الاستثناء، او النموذج- الفوضى. هنا صار للموسيقى نموذج تحتذيه وهذا النموذج ما هو بالحقيقة إلا روح موسيقى أخرى لذائقة اخرى. فأخذت الموسيقى العربية تحتال عليه غصباً عنها لكي تحافظ على بنيتها بدون أن ترفض كلياً التأقلم مع النموذج الجديد المفروض. انسجاماً مع التطور ‘الحتمي’ بدأت الموسيقى العربية باعتماد الألحان المكتوبة والتنويت كتابة الاصوات والعلامات الموسيقية أي ما يعادل الحروف للغة وقامت باستبدال التخت الشرقي بالاوركسترا الحديثة وتبنت الآلات الموسيقية الغربية. وبالرغم من هذه الثورة بقيت الآلات بالإجمال تعزف وراء المطرب ولا تقرأ مقطوعتها المتماسكة التصاعدية بل ترافق المغني الذي بقي في بداية الأمر يغني أمزجته وامتزاجاته المقامية بحسب مبدأ الإرتجال الطربي الذي يميّز الموسيقى العربية عن غيرها. وهنا صارت الاوركسترا إطاراً ديكورياً لا يفهم دوره بدقة اليوم حتى لدى الموسيقيين العرب أنفسهم. هذا التناقض دفع الملحنين والمنظرين الموسيقيين إلى الانكباب على أعمال لحنية وتوزيعات موسيقية تعطي للفرقة الكبيرة مبرراً للوجود. صار دور اللحن والغناء فعل تبرير وجود الفرقة بمعنى من المعاني. صار الهدف محاصرة المطرب ومنعه ما أمكن من الطرب والتطريب والسلطنة. لكن ما هو الطرب؟ ما هي هذه الحالة التي يذوب فيها المطرب مع جمهوره في حالة من الصوفية المتسامية المرتفعة إلى الأعلى؟ ما هي هذه الحالة التي تدفع بالجمهور إلى الدخول بالحالة الموسيقية والتوحد باللحن والأغنية وعالم المغنّي – إذا جاز القول؟ التساؤل ذاته يطرح نفسه على مثل هذا التحوّل التطويري الذي اصطدم أيضاً ببنية الموسيقى العربية ذاتها وتركيبة عناصرها. فما تعتبره الإذن الغربية نشازا هو جسم الأساسي. وبدون الدخول في علم الموسيقى وتقنيته يكفي ان نقارب الموضوع من زاوية يسمع بها الناس عندنا بشكل كثيف. فالجميع سمع بخصوصية وجود ربع الصوت في الموسيقى العربية وفي آلاتها الأمر الذي ينعكس استعمالا للمسافات الصوتية عند العرب بطريقة لا يعرفها الآخرون ولا يستسيغونها. على أي حال وبمعزل عن التدخل الإيديولوجي في الموسيقى وتعلقه بموديل محدد من التطور تشير كافة البرامج التي تجري لاختيار مرشحين جدد للغناء تَرَسخ الموسيقى العربية بشكلها العربي لدى غالبية المغنين الشباب الذين ما زالت إذنهم تعشق قبل العين أحيانا
Comentarios