top of page

غريب

  • عناية جابر
  • Apr 17, 2017
  • 3 min read

غريب كيف تقع الاحداث احيانا. تنتظر وتنتظر ولا يحدث شيء. تم في اللحظة التي تتصالح فيها مع اليأس، ينفتح باب سري يتسلل ضوء شيطاني. بهذه الطريقة أبلغني رغبته في ان نقوم بنزهة معاً: أود ان أقول لك شيئا علي انفراد . لدي مغادرتنا، سألني ان كان لدي أي اعتراض علي الذهاب الي حريصا. اقتراحه أيقظ شغفي بالمكان. قلت أصعد الي حريصا وأفي نذراً قديماً وأسمع أخيرا، اعترافاته.حديث بسيط علي سبيل التمهيد، بعد ان نزلنا من السيارة، ومشينا صامتين في المكان المرتفع. كانت نظرتي تطوف في الجبل، حيث تمثال سيدة حريصا، وتبدو كأنها تتقصّي هواء غريبا. آسف لأني كبدتك هذا المشوار الطويل. أريد أن أصارحك بأمور تهمني. أمور تبدو غامضة بالنسبة لي، وأريد رأيك حقاً .

كنَّا قد بلغنا المطعم بعد أن صعدنا بـ التلفريك ، المركبة الحديدية الصغيرة، نوافذها الزجاجية ومعلقة بالحبال بين السماء والأرض. كدسنا طاولة الغداء بكل أنواع السلطات الخضراء، والحمص المتبَّل ورقائق الجبنة وفطائر السبانخ، والمكدوس والشنكليش والسمك المدخن ولفائف البصل وأرغفة المرقوق، بإختصار كل شيء، ما عدا اللحوم، فهو يعرف أنني نباتية منذ زمن لا بأس به. تساءلتْ ماذا يريد أن يخبرني ـ أعني ما هو الشيء الأساسي؟

رأيت أنها فكرة ممتازة ان يأتي بي الي هنا، الي هذا المكان تحديداً، وحدست انه يتمتع بحس استراتيجي. ألا نستطيع ان نحصل علي شيء من القهوة؟ سألته. أنتِ غريبة فعلاً ـ قال ـ وطلب من النادل ركوة قهوة مرة. لم يبد مستعجلا للحديث، وأنا التي سئمت الانتظار سألته ان يخبرني سبب نزهتنا معاً: اننا وحدنا كما تري، ما الذي تريد قوله لي؟ هنادي، صاحبتكِ ـ ثم قال شيئا بدا خيانة عظمي لمثل جمال هذا النهار ـ تعرفين، انها تعجبني، غير انني لا اعرف في الحقيقة، شعورها نحوي، قلت أسألك أولا، فأنتِ صديقتها، هل في حياتها أحد معين؟ انه يحب هنادي. لماذا لا تسألها، قلت له. لقد فعلت، أجابني، وهي تبدو غير واثقة. أنتِ صادقة. أنتِ لا تدعين أبداً أنك خلاف ما أنتِ عليه، في حين ان هنادي.. يعني، لا تدعني أعلم ما في قلبها.

إنزلقت ابتسامة ساخرة علي وجهي. لم أكن انتبهت طوال زيارات هنادي الي مكتبي، الي ما كان دائراً بينها وبين زميلي في المبني نفسه، الرجل الذي لأجله أفيق كل صباح رايقة . ترددت برهة ثم قلت: كيف هو سلوكها معك؟ أعني أين وصلتما في علاقتكما؟ لم يسرد لي شيئا في تفاصيل حكايتهما، سوي انه يراها غير ناضجة أحياناً، متكتمة في مشاعرها، ومرة رآها تخرج من السينما برفقة أيمن ـ تعرفينه، قال لي ـ الشاب الذي يشتغل في التنفيذ . شعرت بالجوع فجأة. بدأت ألتهم كل ما تطاله يدي من علي الطاولة وأحسست في النهار الصافي كعين الديك، أنني أشتاق المطر: طيب.. شو فينا نخدمك؟ سألته، ومسدت قليلا ذراعي اليسري التي تيبست فجأة. إنحدرت حمامة بحركة انسيابية وحطت غير بعيد عنا. كل شغفي أصبح من الماضي. بدا انني موشكة علي حفلة هياج عصبي. لكنني أخيرا هدأت. كل شيء عاد طبيعيا. واقعياً بصورة رهيبة.

وأنا أنظر الي وجهه، كانت بثرة بدأت تتضخم علي أنفه، ولم تعد عيناه حبيبتي، ولم تعد عسلية بالمرة. فكرت انني لم أعد بحاجة بعد الي ان اكون لطيفة معه: كل هالمشوار لحتي تقللي انك بتحب هنادي؟ معقول إنت؟ . انتابني شعور مزعج بأني خدعت. أكان ضرورياً أن أنساق الي رغبته في الحضور الي حريصا تحديدا، ونذري القديم؟ ألا فاعلمي يا سيدة حريصا ان نذري القديم يبقي قديماً وغير متحقق، ثم مع كل الحب لك، لم يعد يهمني تحققه. مع ذلك قلت له ان هنادي لا تؤمن عموما بالحب. ثم قلت انها تخرج مع أكثر من واحد قلت له هذا حرفياً. شعرت انني شيطانة شيطانة صرفة. في الحقيقة، لم يخطر في بالي أبداً، حين قلت له ما قلت، أنه يواصل أكله كأن شيئا لم يكن. بدا كأنه كان ينتظر ما قلت بصرف النظر عن هنادي. أما ان يعرف أعماق قلبي، فهذا أمر آخر، لعلنا أنا وهو لم نكن الا ممثلين. حتي حين ظننا ان احدنا قد صدق الآخر. وقد صدمت بقوة، حين فكرت انه ربما كانت هنادي هي اصدقنا. علي الأقل كانت تعرف ماذا تريد. كان جوابه، وقد مر للتو في ذهنه، كومض البرق: صدقاً. لا ادري كيف اشعر. اعتقد انه لم يتبق لدي اي مشاعر حيال هنادي. علي أي حال، لا أريد ان اسمع أي كلام في الحب بعد الآن، ابدا .

سألني برقة ان آكل بعد ان خلع جاكيتته التويد الانكليزي ودثر كتفي المرتجفتين من الذل، قال بأن لي بشرة رقيقة، ويعجز عن تحديد لون عينيّ. قال اننا نحتاج معا اجازة قصيرة.. نتسلي، قال. لم أسمع الذي بقي يردده لوقت طويل. طيف هنادي ما حسبته صاعدا الي حيث سيدة المقام. طيف أبيض كالثلج. كل تصرفات هنادي بيضاء كالثلج. عدنا الي بيروت، ولم يتعرض أي منا لأذي بليغ. كنا متمرسين.

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page