top of page

موسيقى البلوز في ليلة نيويوركية على ضفاف نهر الـ " هدسون "

  • عناية جابر
  • Mar 14, 2017
  • 4 min read

يقع " البلوز " في مركز القلب من موسيقى " الجاز ". مع ذلك يرى البعض في البلوز كموسيقى شعبية للسود، بطيئة ومُحزنة ، فيما هي في الواقع شكل لحني، منفصل ومميّز . حينما قال قائد الفرقة بعد أن شبعنا سماع الجاز، دعونا الآن نعزف للحضور اللطيف موسيقى البلوز ، فهو عنى شيئاً مُعيّناً تماماً ، شيئاً فائق الروعة ، وغريب ..

المصدر: الميادين نت

http://www.almayadeen.net/articles/opinion/53682/موسيقى-البلوز-في-ليلة-نيويوركية-على-ضفاف-نهر-الـ---هدسون--

يقع " البلوز " في مركزالقلب من موسيقى " الجاز " . مع ذلك يرى البعض في البلوز كموسيقى شعبية للسود ، بطيئة ومُحزنة ، فيما هي في الواقع شكل لحنيمنفصل ومميّز . حينما قال قائد الفرقة بعد أن شبعنا سماع الجاز ، دعونا الآن نعزف للحضور اللطيف موسيقى البلوز ، فهو عنى شيئاً مُعيّناً تماماً ، شيئاً فائق الروعة ، وغريب .ثمة ذلك الإيقاع الذي يبعث الرعدة في الأجساد والأرواح ، وثمة العنصر الأكثر تعبيراً في البلوز وهو ما يتعارف عليه ب " الصيحة " ، الجزء الذي لا يتجزّأ من نوتة البلوز وتنغيمه ، وكان وصفها جون وورك بالجزء المؤلّف من قِطع صغيرة ، نصفها غناء ونصفها صياح ، تماماً كما يُطلق العاشق صيحة الرضى لمّا يصل بيت حبيبته ، أو تلك التي يُطلقها المستوحد يأساً في غمرة وحدته ، أو العامل في طريقه إلى عمله ، أو الزارع في الحقول كتعبير عن الكدح المُضني ، يُطلق النداء الغريب بصوتٍ بهلواني مُتقلّب ، صوت ظلّ الرجل الأبيض يُقصّر عنه ولا يعرف تقليده . في زيارتي الأخيرة إلى نيويورك، وفي حانة في أحد أزقّة هارلم الدافئة، استمعت إلى فرقة من خمسة أفراد، غنّت وعزفَت البلوز من منبعه ( المسيسيبي ) الأصلي، ومن دون أيّ تعديل: حشرجات طويلة وعالية، موسيقية، تعلو مع المرأة المُغنّية وتنخفض مع المُغنيين الرجال، هادئة نوعاً في البدايات لتنقلب إلى أصوات مصطنعة تُذكّر ب " النفير " يتناوبها صوت يقاطعه صوت آخر إلى أن تجتمع الأصوات في جملة مُعيّنة، كما لو " كورَس " مرصوص.أصوات حرتُ في تحليلها، جميلة ملائكية، ثم بهيمية غاضبة، وحيدة في نوعها وتتحدّى التحليل الكامل، ولكنها تُشير إلى أرجحيّة صوتية رخيمة، تنتهي أحياناً إلى تغيّر في الطبقة، مع الحفاظ على " الهارموني " أيّ توافق الأنغام، مؤلّفة هذه في أبسط حالاتها من الأوتار الأساسية الثلاثة .لدى سماع البلوز ، ثمة ما يُذكّر بالموسيقى الدينية / الكنَسية ، قبل إسباغ النغمات الأوروبية عليها في ما بعد، ولكن حقيقة واحدة تُقال في هذا المجال، هي أن البلوز الحقيقي لم ينشأ عن تعلّمهُ من الكتب، أو من دفاتر النوتات الصحيحة، بل يتدفّق من المشاعر، وليس هناك من مُغنّ أو مُغنّية يشعران الشعور ذاته في كل مرّة يغنّون فيها هذا النوع من الغناء . المفارقة الجميلة في " البلوز " هو اللاتوازن في المشاعر، اللامضبوط حرفياً، والمُرتجل بحسب الحال والمزاج والمناسبة، ما استدعى تسميته ب " البلوز المجنون " .في الحقيقة أشعر بنوع من الانتماء حين أسمع هذا الصنف اللحني الغنائي أكثر مما أشعر باكتمال الغناء أو الموسيقى ، وأحسبُهُ الانتماء إلى سعادات الشعوب الفقيرة وتعاساتهم ، فرحهم وقهرهم .لا شكل للبلوز فهو مزيج بين الطول التّام والنِسَب العّامة ، ثم الشكل الداخلي المأخوذ من نموذج النداء والجواب ، ويرجع في الأصل إلى غرب أفريقيا . كما ويختلف طول شكل هذا الغناء بحسب حال المغنّي . ولكنّ عازفي الجاز في هذه الأيام اتفقوا على تحديده بإثنتي عشرة وصلة موسيقية تنقسم هذه الوصلات إلى ثلاثة أجزاء متساوية لكل منها وتر مختلف .محاولة شباب اليوم عزف البلوز وغنائه تصطبغ بالطابع الأوروبي الذي يضبطه ويُغيّر إلى حد ، في نشأته الأساسية . لا يمكننا أن نُعرّف التاريخ الأول للبلوز . وكلما عرّفنا بدا أقدم مما عرفناه عنه . فالأغاني الأفريقية ذات الروح الساخرة ( المتضمّنة النُكات والفُكاهة ) والتي على علاقة بمعيش أولئك القوم الذين غنّوه ، هي أحد المصادر ، كما أن أغاني القهر والشفقَة على الذات ، والندم على الوجود مصادر أخرى . أما روّاد هذا الفن في نيوأورليانز الذين ولدوا في ثمانينات القرن الماضي وما تلاها فيقولون : كان البلوز معروفاً عندنا قبل ولادتنا ، ويردفوا قائلين بصبغة يائسة : إننا لانستطيع عزف أيّ شيء آخر فهذه النغمات والصيحات هي حياتنا ، رغم أن الأميركيين البيض يميلون الى ازدراء البلوز بحجّة أنه وضيع وركيك وغير مصقول .المزيج الحزين اللطيف للبلوز هو الطاغي حديثاً، ففيه مزاج اللامبالاة بأمور الدنيا: " إنني أضحك حتى لا أبكي " أو " إنني أغنّي البلوز ولكنني لا أتخلّى عن كبريائي ولا أبكي " . وبعضها يمجّد اللغة البسيطة والمُخادعة حين يغنّي أحدهم : " إنني مُعتاد على حبّك ، أما في سرّي فليلعنك الله " .لا أعرف تماماً سرّ تعلّقي بهذا النوع من الغناء ، لكنني أحسست في تلك السهرة على ضفّة النهر وفي قلب " هارلم " أن الشكاية من الوجود أمر جامع بين البشر، كذلك السخرية .. وحتى البكاء من دون أن ينظر إليك أحدهم باستغراب !!يصعب حالياً تقدير ماهية انتشاره وإقبال الفِرَق الشبابية على عزفه وغنائه ، سوى أنه لا يزال يتخلّل كل حفلات الجاز ، إذ ترك لنا المؤلّفون الموسيقيون السود ، وندرة من البيض ، الكثير منه ، من أمثال هوغي كارميكائيل وجوني مرسر وجورج غيرشوين ، وبحسب روسل آمس : لو كان هناك شكل أمريكي للموسيقى ، فلا بدّ من أنه البلوز . أفضّل البلوز على ماعداه لأنني أعتقد بأن من الخير لك أن تكون غير بارع من أن تكون دقيقاً إلى حد السُقم ، وأن تكون واضحاً من أن تكون مدّعياً ، وفجاً من أن تكون ضعيفاً ، وغرائبياً من أن تكون مُبتذلاً .. وهذا ينطبق على الجاز وعلى البلوز ..

.

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page