خاطرة #14
- عناية جابر
- Feb 27, 2017
- 3 min read
كان كل شيء ليكون رائعاً لو لم تكن أحمقاً ..
ما أن أمضي ليلة في مكان ما حتى أطبعهُ بطابعي
من " الحارس في حقل الشوفان" لسالنجر " أين يذهب البط حين تتجمّد البحيرات؟
أكتب مقالة عن أدغار ألن بو . كتابة مقالة عن شاعر سوداوي لا تقّل خطراً عن الوقوع في الحب . إنه إلتماس حاّر خصوصاً أنني زرت بيته في أميركا وعرفت طرائق عيشه بعد أن قرأت له كثيراً جداً . إندفاع جنوني يتطلب إنكباباً متعصّباً حيال الأرواح المهيضة . بو كان روحاً مهيضة ولا تستطيع قوى الكتابة كلها أن تفيه حقه ، سوى أنه كاتب ويجدر أن اقول له hello لقد أحببتك . أمام بيته ، وكنت أتيت من بيروت لهذا الغرض قلت له ، قلت لروحه المهوّمة ، أنني أعرفك جيداً ، وأعرف الأذى الذي لحقك ، والغمّ الذي أكل قلبك . ثمة هذا السّر بيننا وأصبحت تعرفه الآن لأنني أخبرتك للتو . أتيت من بيروت لأجلك ولكن ليست هي القضية ، عليك يا بو أن تعترف أن المسألة ليست بوسطن وبيروت ، المسألة أننا أنت وأنا مختنقان في هذا العالم ، حسناً ليست بوسطن أو بيروت ، تعرف بو ، إنه الضجر حتى الموت يا عزيزي
مرّت ليلة شوق ضخم ، وكل شيء منفتح على آخره . إنني في الحب ومحبوسة بغيابك ، محبوسة في البؤرة السوداء لا خصوم ولا منافسين وهذا مؤلم . لستُ مجنونة تماماً ، ومن بين ملايين الكلمات أكتب لك تلك التي لاتُعجبك . أكتب تلك التي تُعجبني ، بلا منطق ، بلا رأس ، مع ذلك أكتبها لمجد الكتابة الحيوية والرائعة . مجد الكتابة التي هي فخ وهاوية ، وشرايين زرقاء . أليس غريباً كفاية أنك تصنع شهقتي مازلت ، أنا المسلوبة الأنفاس ونحيلة ، نحيلة وقادرة على الحب حتى السماء . القصة مصنوعة من إنسجام الأورغنزا البيضاء مع الليل الأسود ، وأنت تهدرها . كيف حبيبات اللؤلؤ تتفصّد جسدك وتهبط به الى السؤال : " هل تُحبيني " .. إنني أراك في ميناء وتغرق ، وأراني مجرد فكرة ، وأكثر من رسالة أكتب لك لأنتشلك
أحسبُ أنك نائم الآن ، وأتركك في هدنة النوم ، في الطعم المُرّّ الشائع لرجل نائم وامرأة تنتظر . ترتدي سترتك السوداء في الصورة ، كما لو الأسود يُشير الى إحتراق عاطفة ما . قبعتك سوداء أيضاً بحواف عالية . صدرك فسيح وجميل ، ووجهك لا يُطالبُ بأيّ شيء ، ويُمكنه أن يكون حارساً لحقل خُزامى مُنير . لم أنتظر شيئاً غافلاً بهذا القدر كما انتظرتك . بإستطاعة هذا أن يطول أكثر من دون أن ينزلق الإنتظار نحو الهاوية أو نحو السماء . من دون أن يتلوّن بشيء ، وحده الصمت يُشيرُ إليّ . يعرفني . طلع الصباح وشمس النافذة عليّ ، شمس النافذة على بيجامتي البيضاء وذؤابات شعري المنكوش . لا إشارة على إختلاف الليل عن النهار لأنني مازلت أنتظر . جفناي يخفقان مع قلبي . هاذئة مع ذلك ، الهدؤ المُلتبسُ ويروقني اليوم أن أنكأ الجرح قبل إلتئامه . أن أكتب . أن أنشغل بما يُغّّذي الإنتظار
طوال فترة مكوثي في باريس ، كانت الأشياء تُنجز لأجلي من تلقاء نفسها . كنت أخاف حقاً من كل تلك الغواية ، من نفسي وقد غدوت جميلة حينها كأغلب الأشياء هناك ، من جسدي ، من فضولي ، من مرونتي ، من قدرتي على النفاذ كما لو أعوم في السحاب ، من لدانة جسمي وخطواتي ، من سماحتي ، من قدرتي على الدهشة والتكيف مع الجادات المنيرة الطويلة ، ولطالما رأيت نفسي داخل زهرة بنفسج ، أرشف سائلاً مُسكراً . الصباحات كانت تحت أمرتي ، والمساءات
عن جفاف الأمكنة أتحدّث ، وعن أوراق الشجر التالفة والبيوت الخاوية ، وعن سيدات هلعات خلف النوافذ، وعن السفن في البحر تستدعي الهاربين الى نزهات قصيرة ، عن سلالم حجرية استُعملت أحجارها لرشق الأشرار والمجرمين، عن نوافير الساحات وكانت فيما مضى رائعة ، ومنهوبة صنابيرها الآن ، خرساء . غياب الحرية لايعني ألماً يُصيبُ فرداً واحداً ، أو بلداً عربياً واحداً . الحرية حاجة تستدعي شعوراً مشتركاً ، وهي مناخ وثقافة تستثير الملايين . لا نحمل حزننا كما لو علة لاعلاج لها ، أو ألم غير مطلوب نحتاج الى التخلص منه . نحملهُ بإختيارنا ، ونحملهُ الى حين ننال حريتنا ، كل المتع الأخرى سوى الحرية ، فارغة ولذة سوداوية . حرماننا من الحرية هو النافذة ذات الزجاج المُدّخن بيننا وبين العالم
وقوعنا في غرام أحد الكتب ، لم يعد أبداً مسألة هيّنة . كبرنا ونضجنا وغدونا متطلبين أكثر في قراءاتنا ، كما وسعت المسافة بيننا وبين العثور على كتاب يُعجبنا والوقوع في غرامه بالضربة القاضية . مع ذلك لحسن الحظ ، الأمر يحدث مازال وإن على فترات متباعدة ، وحدوثه هو النعمة الوحيدة، تُعوّض وتُغني عن الوقوع في غرام حقيقي كما لو بين امرأة ورجل ، فالمتعة في حال الكتب الجيدة ، صافية ، غير مُهددة ، مبذولة بهناءة ورفعة من لا ينتظر مقابلاً أو تعويضاً
Comments