top of page

خاطرة #11

  • عناية جابر
  • Jan 11, 2017
  • 2 min read

ماذا بسّام حجّار ؟ كان لي امتياز أنني عرفتك وقرأتك وعشت معك . كان لي امتياز معرفة شاعر لم تتضرّر علاقته بنفسه ولم يُصبها الدلال والغرور والخواء . امتياز ما يُمكن أن نُسميه ثبات الضمير ، وثبات الأخلاق ، أي خوض النزال بجدارة ما بين التفاهة والثقافة الحقّة ، وإنعكاس الأخيرة في سلسلة أفعال الشاعر وحياته ، التي بقيت حدثه الشخصي كما لو سنبلة في حقل . ماذا بسّام ؟ تعبت كثيراً جداً ! تريد أن ترتاح؟ . أن تستلقي تفّك القصائد وتربطها ثانية ؟ أنت في المقلب الآخر الآن حيث أملت أن تلعب دورك ، ولقد تكيّفت في حياتك وقصائدك مع " دور الميت " ذاك . لم تكن تخشى الموت في الكبرياء السالبة لرجل تألّم طويلاً ومنعهُ الألم من خشية الموت . كنت تقول أنها حياة مُنهكة فقط ، حارّة ومُغبّرة ... لو كان بإمكانك أن تتحدّث إليّ الآن على مشارف سنة أخرى !! .

ت في واشنطن لمّا هاتفتني أمي ، وسرعان ما سألتني عن صوتي الواهن . قلت لها : اشتقت الى بيروت . أنا التي أتخمتها بسعادتي لأنني أغادر بيروت ، قلت لها على التلفون : اشتقت الى بيروت !! كأن حياتي مجموعة تجارب كيميائية ، وفي كل سفر كما لو أدخل عنصراً غريباً على جسمي فيرفضهُ . بقيت أمي صامتة، لم أعرف اذا ما كانت تبحث عن شيء تقولهُ لي ، أم أنها كانت تحت وطأة تصريحي ، شأنها شأني أنا نفسي أحياناً ، إذ لاأفهم تماماً ما الذي أريدهُ .سمعتُ صوت تنفسّها الراعش ، تنفساً سقط في أعماق أذني . أقفلتُ الهاتف . لقد تطوّرت اللعبة تطوراً كاملاً

أطفأت الكومبيوتر والأضواء في البيت وأغلقت الباب . هبطت بالأسانسير الى مدخل البناية . قلت للناطور أن الليل جميل والتسكع عظيم وقلت أن الحياة حلوة حلوة ، والأمور على مايرام كلها وأننا يش جميعنا في بالغ السعادة . لم يفهم الناطور ما قلت وحدّق طويلاً في عينّي المتورمتين . لم يكن عدم فهمه أمراً سيئاً ، بل جيداً جداً . كل ما عليك أن تفعلهُ لتلافي الحديث مع أحدهم هو ان تقول شيئاً غير مفهوماً وسترى أنه سيتركك لشأنك فلا يحدّثك عن الموت ولا عن أوضاع البلد وأحوال الناس . خرجتُ الى الشارع وكان من الطبيعي أن يبدو الظلام كثيفاً مادمت قد أطفأت أنوار بيتي ، وبمعنى آخر كان الوقت متقدماً . من الجيّد ، ما دمت قد صممت على السعادة في هذا المساء ، ألآ أشعر بوطأة الغبن من كوني لم أنجز حتى اللحظة سوى الهراء ، وإكراماً لهذا الهراء تحديداً بقيت هذه الليلة خارج البيت حتى وقت متأخر جداً

ما يشّد إنتباهي ، المواقف الفاتنة من العالم ، الرياح التي تُضيّع الآثار ، عداء الأشياء المؤذية وبراعة هزيمتها ، والأسرار التي تحتويها السجون ، والإحتمالات المفاجئة للوقوع في الحب ، الناس الأكثر غرابة ، الأكثر تعاسة ، الأكثر حبوراً وإرتجافاً .. ثم الإعترافات الأكثر صدقاً وهي الأخصب ، والأقدر على تظهير أعاجيب الكبرياء الإنساني ، في ذكائه وتعاطفه المستنير

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page