خاطرة #5
- عناية جابر
- Nov 25, 2016
- 3 min read
لأشرح لك . من الصعب أن تتحدّث مع نفسك عن جمالك واكتمالك وعن سؤ أحوال العالم والبشر ، لكنني فعلت لأتوازن ، وساعدتني بلوزتي الكتّان البيضاء وبنطالي البيج وهيئة الصباح المترّسخة في وجهي . ساعدتني عشرات الأفكار المترسخة في رأسي . بالنسبة للكتابة والأفكار أنا مقاتلة شرسة .
أغلقتُ على عشرين سنة خلت ، وكان عطر الأيام المقبلة لا يُقاوم . أريد أياماً خفيفة وشخصية وشابّة ولا تُشبه بحال أيّ من الأيام التي مضت . أريد صباح الخير أخرى ، وبنّ بنكهة جديدة وأريد لقدميّ معاشرة أرصفة جديدة . لابأس . كفتّ القطرات عن التساقط في المغسلة واستعادت ايقاعها الصامت وقلت أنني قطرة مع أن ألماً قصياً يرقد فيّ ، ويُشكل إطاراً للهدؤ . المغلف الأبيض على طاولتي جعل استسلامي عميقاً وحنوناً.الأصدقاء الفوريون ؟ الطقوس الجديدة؟ أملك مزية التعبير عن الحب ومزية تلقّيه . بعض الجُمل التي قلتها لنفسي من مثل : " عليك الآن التعبير عن نفسك بدل التعفّن في اللا تعبير " بدت منصفة . روحي كانت صدئة وقلت أدللها من الآن فصاعداً قبل أن تغدو كرة حديدية .
ضؤ الشموع يمنح القراءة مهابة كبيرة ، كما لو نظري يلتقي بنظر الكاتب مباشرة
أنهت ام كلثوم العلاقة التي حضنت بدايتها الإبداعية الفنية مع القصبجي بضربة قاصمة ونهائية بعد : " رق الحبيب " ما ارخى وحشة ومرضاً ونبذاً على الموسيقار الكبير الذي ترّدى بعدها الى وحدة وعزلة . كلمات الشاعر أحمد رامي الذي عانى بدوره جذوة عشق للست ، كذلك ألحان الشيخ أبو العلا محمد وداوود حسني وزكريا أحمد ظهّروا في صوت اعظم المجودات من نساء العرب ، خصوصاً في :" الصّب تفضحهُ عيونه " و " جنة نعيمي في هواكي " و " حُسن طبع اللي فتّني " و " اللي حبّك يا هناه " ، سوى أن تعاونها الفنّي مع الموسيقار محمد عبد الوهاب لم يلق إجماعاً سماعياً من جمهورها الذي تعوّد سماع الطرب الثقيل على ما يقال .
رحلت الست ورحل القصبجي ورحل الكثير من المبدعين الكبار ، ورحلت معهم خلافاتهم بأسرارها وتفاصيلها ، سوى أنها تبقى الخلافات التي قامت في جذرها الأساس على المنافسة الشريفة الى الأجمل ، وعلى النحو الى الأفضل والأكمل ، فيما بقي لنا ، بعد عبق ذلك العصر ، هذا الجذام الفني ، والرثاثة والغناء الرخيص ، الشبيه تماماً بحالنا السياسي الذي يطفو من دون قعر .
برفضه التشبّه بأحد، يحقّق الكاتب، مطلق كاتب تغييرات عميقة على صعيد الرواية ، أو الشعر ، أعني في الكيفية التي يكتب بها روايته أو قصيدته .يقوّض الكاتب السرد الذي تعوّدنا عند أغلب الروائيين العرب ، كاسراً كل ما هو مُتصلّب وجاف في المشاهد وفي العبارات ، فاتحاً ثغرة تسمح بالتوّقف والتأمل ، ثم بالمغامرة داخل مجهولات المشاهد التي يسردها . يكون الكاتب أو الشاعر تجريبياً ، وحراً في الذهاب بجملته بإتجاهات مختلفة ، وغالباً ما تؤول جملته الى الصراع في ما بينها ، ولنا نحن القرّاء ، إنعكاس السحر المفضي إليه ذلك الصراع
وجدت أخيراً نسخة من كتابي الأول . ابتسم لي الغلاف شاكراً نبشه من سبات طويل . ليست قصائد رائعة بالضرورة ولا هي كمال الشعر ، لكنها قصائدي . فيها جزع السفر والفتنة والإنشداه والنزق والبكاء والجمال . قصائد تهيجات العاطفة واكتشاف العالم والآخر . قصائد قهوة مع " باغيت" ، ومعطف ومظلة وطقس رمادي ورذاذ ، وقصائد باريس في الرحمة والسماح بالتدخين ودوائر السحب الداكنة .قصائد فتاة في الثامنة عشرة وقصائد متعثرة لكن نورها نافّذ وكلماتها مضمخة باللافندر . قصائد ليست مطيعة ولا مؤدبة ولا مرتبة وتنكر الإيقاع الداخلي وذلك الخارجي والصياغات والتقنيات . قصائد بوبر ولادة حديثة .. من يتذكر كيف كانت أولى قصائده ؟؟
Comments