top of page

خاطرة #2

  • عناية جابر
  • Nov 20, 2016
  • 2 min read

نجد فناً أكثر وشعراً حقيقياً ، أيام كانت بيروت مزدهرة ، كمصدّرة للكتاب وطابعة له منذ أواخر خمسينيات القرن الماضي . شهد الشعر وقتها رفعته كاملة . في ذلك الزمن ، بدا الإصدار الشعري حلماً دون تحقّقه صعوبات ، لمّا أنه يُحيل صاحبهُ اسماً مُكرّساً في التجربة الشعرية اللبنانية والعربية . أحدث " لن " على سبيل المثال ضجة شعرية من قيمته الفنية ومن سطوعه وتصدّره ، ومن ندرة الإصدارات المستوفية لزوميات الدهشة والجديد .المناخ العالي التطّلب بدا ميالاً في أواخر الخمسينيات والستينيات والسبعينيات الى إعلاء الشعر وبدا الأكثر أهمية في معادلات السيطرة على الفضاء الإبداعي ، بحيث كان كل إصدار حدثاً ، وفي توالي الأحداث هذه تكرّست مجموعة من الأسماء الشعرية اللامعة كمحمود درويش وأدونيس وتوفيق زياد وسميح القاسم ويوسف الخال وسواهم .

احتشدت مرحلة السبعينيات والثمانينيات بكهرباء شعرية متاتية من الإنفتاح على تجارب شعرية عالمية ، حتى ان بعض التجارب المحلية استنسخت تجارب أوروبية وبعضها دوّر زواياها . هكذا بدت " أزهار الشّر " لبودلير شرفة وقف عليها معظم كتّاب قصيدة النثر ، كما بدت قصيدة رامبو شيطانة الشعر ومُلهمة كائناته . حصل الإنزياح الكليّ وقتها عن قصيدة النظم والقصيدة المُفّعلة ما أدى الى إختناق هاتين القصيدتين من العمل عليهما واستهلاكهما في فنيات لاتعدو أن تكون حسابية أو مطابقات أو جناسات . لم يعد المزاج الشعري ميالاً الى التباهي بالمتنبي كمثل عظيم ذلك أن ما ميّز تلك المرحلة ، الروح الجماعية التي انضوى فيها شعراء المدينة وشعراء الريف الوافدين الى المدينة لمّا أنهم تجمعوا في كلياتها ومنتدياتها الثقافية ومؤسساتها ما سمح بإعلاء نبرة جديدة حظيت بالتمايز وبمؤالفة المناخ بين الأهواء العديدة والمتشعبة .

ما يهمّنا من تراجع الشعر الآن أنه لم يتراجع من حضوره فالإصدارات كثيرة بغض النظر عن تقييمها الآن . تراجعه بالأحرى ، جاء على خلفية إقتصادية ساهمت في غلوّها دور النشر ، التي قدّمت الشرط الإقتصادي على الشرط الإبداعي ( بحجة أن الشعر غير مقرؤ أو مطلوب والأمر حقيقي الى حدّ ) كما استطابت الدور هذه إصدار دواوين كيفما اتفق مستبدلة القيمة الفنية بالقيمة المادية المتمثلة بقبض قيمة أو ثمن الدواوين ما قضى على معايير النشر السابقة وعلى الشعر في آن . يُعطف على ذلك ما ترّتب من هجمة جماعة وسائط التواصل الإجتماعي ( فايسبوك وسواه ) تلك الهجمة التي لم تُغرّب باللغة فقط ، بل دمرتها ... مع استثناءت نادرة تبدو فضيلة تُحسب لوسائط التواصل هذه .

.

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page