كم هي متوحشة وأليفة قصائد المرأة التي لا أخوات لها؟
- لطفية الدليمي
- Oct 30, 2016
- 2 min read
ذات نهار أرسلت لي الشاعرة اللبنانية الصديقة (عناية جابر)مختاراتها الشعرية ( لاأخوات لي ) مع كاسيتات اغان عربية كلاسيكية بصوتها ، احتجزوا الطرد في المطار ، كبلوا القصيدة و الصوت بالظنون، حاصروا الحرية كشأن أية سلطة ترتاب بالكتاب والغناء، انتظرت يومين وثلاثا لأتسلم الطرد المحتجز ، مر شهر كامل ثم أنبأوني انهم افرجوا عن الكلمات وصوت الشاعرة .. كتبت لي عناية : ستسمعين تسجيلا سيئا لكنه يوصل لك ما أريد من الغناء.. في المطار عاينوا رهافة صوتها الحلوة حين أداروا الكاسيت الذي ظنوه منشورا خطيرا للحب ،أولربما تخيلوه بيانا سريا لأنوثة الحرية ،و لعل واحدا من المتلصصين قال : : حاذروا مكيدة الشعر ، خطير شعر النساء حين يتنكر بزهرة صبار ومزاج جامح .. فاجأهم البحر حين فاضت زرقته قبل ان ينصتوا بر هة الى ليلى مراد وعبد الوهاب وقد استيقظا في نبرتها ، ضربهم الموج ، كبسوا زر جهاز التسجيل فانسكب ضوء من نشيج اليمام ، دهشوا من تقشف القصيدة وصوت عناية يرتل ( ( لا أخوات لي ) ،واضطربت الغرفة في لجة الشعر وحطت غابة نجوم على المكاتب و نباتات الظل الهشة.. شغلوا الكاسيت الثاني فتدفق لحن تعزفه قيثارة وحيدة ، عزلوا صوت الشاعرة المغنية عن الأوركسترا وغلفوه بالأختام الزرقاء ، نزعوا قميص( ساتانها الأبيض) عن الكلمات ثم قطفوا العطر من فستانها المزهر ، كان أحدهم يدخن سيجارة ويفض جسد الكاسيت بنظرته الكاسرة .. تربصوا بأغاني ( عناية ) التي أرسلتها لي طيّ الغمام ، فككوا أول الأمر حاشية الغيوم و(فكرة سوداء طويلة ) عنوان احدى قصائدها ظنوها عباءة أو حجابا لكنها كشفت بوحا بليغ الحشمة ، قبل أن يكتشفوا طفولة النبرة في أغنية ( ليه تلاوعيني ) توهموا أن أغنية ( حيرانة ليه ) شفرة سرية للنيلِ من سلطة الذكورة وطوطم القبيلة .. حين فتحت المظروف وعليه عشر من الاختام الزرقاء ، أطلت زهرة صبار وردية من غلاف قصائد ( لا أخوات لي ) ،وقرأت أول ما قرأت إهداءها لي و قصيدة ( الشمس مقبلة ) هنا امرأة تغامر بالشعر فتزج الخطى في الوضوح ، تقفز من سفينة الشعر لتعوم في ضوء الغناء ، لا تبالي بالبرق أو الجليد ، تلمس بالرهافة ذاتها أريج الغابة وقميص الساتان ،تتحرى شذا الصندل وعتمة البيت ، وتصنع قصيدة من كلمة بالغ صمتها ومن وراء الحزن أو من أمامه تمر ( عناية ) مكسوة بالقصائد ، لها هدوء راهب بوذي و مشية جنيّة ،تراقص الليل او تحنو على نرجسها وفي الصوت حيف رفيع كأوتار الكمان ، في الليل الطويل تطوي عناية أوهامنا تحت لامبالاتها وتسحبنا الى كهوف الزمن الفالت ، تلاطف الألم كأخت وحيدة وترتل الهجاء الصغير كقبلة نضرة لفتاة سرقوا رائحتها و هي تجرجر رؤانا و تنثرها في حقل قمح أو تحت قمر ذاهل ، كم هي متوحشة وأليفة قصائد المرأة التي لا أخوات لها ، أما يكفيها أنها تطل علينا بوجوهها المترادفة وهي تلعب دور غيمة أو ملاك كما تقول في قصيدة (مسرح)؟ أما يكفيها أن ( لجسدها حركة البحر) في القصيدة ولصوتها دفق النبع في مهابة الجبل؟؟ الشاعرة نهمة للحياة لذا توجز القصيدة كجوهرة مجلّوّة وتمحو الكلام الفائض عن حاجة الشعر ، تمحو الأثر كي تضلل العدم عن خطوتها المترنحة ..
Comments