top of page

تقاسيم على مقام الاستبداد

  • عناية جابر
  • Oct 14, 2016
  • 2 min read

شكا لي أحد جيراني أنه في كل مرّة يتوجه فيها الى مكتب مسؤول الموظفين طالباً علاوة يستحقها منذ زمن لا يحصل إلا على أطروحة عن الاقتصاد العالمي. يشرح له سعادة المدير ظاهرة التنافسية التي تشتد يوماً بعد يوم في ظل العولمة التي حولّت العالم الى قرية صغيرة.

بيت القصيد أن الميل العام لتوجهات السوق تفرض خفض الأكلاف لا رفعها ولا سيما تلك التي تتعلق بالأجور أساساً. وبالتالي فإن صاحبنا وبدلاً من أن يحصل على علاوته المفترضة والمأمولة نال، وهنا الأنكى، درساً في إدارة الميزانية المنزلية وكيفية المواءمة بين المطلوبات والموجودات. وبدلاً من أن تكون المشكلة مشكلة الشركة التي ترفض تطبيق القانون والحق تحوّلت الى مشكلة قلة دربة الجار وزوجته في إدارة الموارد العائلية.

دخل الجار الى مكتب المدير صاحب حق لكنه خرج غبياً في كيفية صرف أجره. ذكرني ذلك بما يجري في بلادنا حالياً من صراعات تشبه الى حدٍ كبير قصة هذا الجار. فلقد تم إقناعنا بأن مشكلتنا الأساس تكمن في الاستبداد الذي يمارس علينا من داخلنا وأن الانتفاض على هذا النمط من الحكم وإسقاطه سوف يؤديان الى إقامة أنظمة بيضاء مهفهفة ملؤها الديمقراطية وتداول السلطة مما يسمح بتفتح الطاقات الكامنة لكن المعطلة في قلب مجتمعنا.

المشكلة إذن مشكلتنا وتتمثل بنوع من الاستبداد والطغيان الذي يعيق من الداخل 'إدارة الميزانية'. لكن أصحاب هذا الطرح ربما نسوا أن يشرحوا لنا فحوى الاستبداد هذا في بلادنا. نسوا أن يقولوا لنا إن كان هو هو في جميع بلداننا أم أن هناك فروقات وتمايزات معينة بين بلد وآخر. نسوا أن يقولوا إذا كانت أسباب الطغيان ثقافية، دينية أم اجتماعية اقتصادية. كما نسوا أن يعينوا القوى الاجتماعية التي تقف خلف هذا الطغيان ولأي سبب. بدا الطغيان، من خلال هذا الطرح، وكأنه معطى مطلق نشأ مع نشوء مجتمعاتنا. أو كأنه سمة من سمات حضارتنا أو ديننا أو ثقافتنا .

ولنعترف بأن في الإطلاق هذا ما يثير الريبة والشك. على الأقل من الناحية المبدئية والنظرية. فكيف يمكن من دون التجني الفعلي على الواقع أن نعمم سبباً يتعلق بشكل الحكم على أزمة تصيب دولاً عدة مترامية الأطراف ومتفاوتة التطور والحجم ومختلفة الأنظمة السياسية والأهواء والمشارب؟ وفيما عدا استعمال مصطلحات عمومية جداً مثل الشعب والنظام فلا يمكن فهم من هي القوى الاجتماعية المستفيدة من شكل حكم مستبد مطلق، من النظام، ومن هي القوى الاجتماعية صاحبة المصلحة في إسقاطه وبناء الديمقراطية.

أن يكون الإستبداد موجوداً في بلادنا الجميلة لا يعني بالضرورة أنه أساس المشكلة بل قد يكون متفرعاً عنها. المشكلة قد تكون عند ذلك الذي يردينا أن نفتش عنها في دواخلنا،عند الذي يرغب بان ندخل أصحاب حق ونخرج أغبياء.. في إدارة المنازل.

Comments


Recent Posts
  • White Facebook Icon

Follow me on

جميع الحقوق محفوظة © 2016 لعناية جابر والكتاب المشاركين ، وفي حال الاقتباس نرجو الإشارة إلى الموقع كمصدر

© 2016 by Samer Y. Saab. Proudly created with Wix.com

bottom of page